عامان على ذكرى سقوط رأس النظام السابق. مَن كان يصدق يومها أننا يمكن أن نصل إلى ما نحن فيه الآن؟! مَن كان يتصور أن الفُرقة التى كانت بوسع الكون كله يومها سوف تختفى لنكون بعد عامين مع هذا المشهد المأساوى الذى لا تتوقف فيه مواكب الشهداء، بعد أن تم اختطاف الثورة واستُبيحت دماء الثوار الحقيقيين؟
مَن كان يتصور أن الأحلام التى انطلقت من صدور كل المصريين يومها بنهاية الظلم والاستبداد وميلاد مصر التى فى خاطر كل أبنائها، سوف تنتهى بعد عامين إلى هذا الكابوس الذى نعيشه اليوم.. والوطن يواجه الكارثة، وأهداف الثورة فى الخبز والحرية والكرامة الإنسانية تتوارى فى ظل فاشية لا هدف لها إلا الحكم، ولا وسيلة لديها إلا القمع، ولا رؤية لديها إلا إجبار الناس على السمع والطاعة حتى وهم يشاهدون مصر -بكل تاريخها ونضالها- يراد لها أن تعود إلى كهوف القرون الوسطى وأن تنعم بديمقراطية طالبان وبازدهار الصومال؟!
عامان من التآمر على الثورة ربما لا يزال الوقت مبكرا لنعرف كل أسرار هذه المرحلة العصيبة، لكن ما تكشَّف حتى الآن يكفى.. إدارة هى الأسوأ لفترة ما بعد الثورة. مجلس عسكرى لم يفعل شيئا إلا تسليم الحكم للإخوان المسلمين بعد ضغوط من الإدارة الأمريكية التى أعلنت دعمها الكامل للإخوان بعد أن تلقت منهم كل الضمانات المطلوبة التى ستؤهّلهم ليكونوا «الشريك الاستراتيجى» الجديد بعد سقوط مبارك. كل ما يلزم وما لا يلزم من تعهدات تم تقديمها على حساب مصر وشعبها واستقلال إرادتها.. بدءا من الالتزام بحماية أمن إسرائيل والحفاظ على المعاهدة معها، وانتهاء بالتسهيلات للأسطول الأمريكى عند عبور القناة، والركوع أمام الشروط الاقتصادية لصندوق النقد، والبقاء كجزء من الاستراتيجية الأمريكية فى المنطقة!
ها نحن بعد عامين نواجه الفاشية الجديدة التى تحاول استغلال الدين الحنيف لتمرير استبدادها وتخلفها، ولتبرير خيانتها للثورة، ومزايداتها على نظام مبارك فى التبعية، ورهانها على أن دعم أمريكا (المباشر أو غير المباشر عن طريق الكفيل القطرى أو التركى) سوف يمكنها من الحكم، وسوف يعطيها الفرصة كاملة لتنفيذ مشروعها فى الاستحواذ على مصر، ولتكون ذراعا لأمريكا فى السيطرة على الثورات العربية، وفى إعادة رسم خريطة المنطقة على حساب المصالح العربية والمستقبل العربى.
إنه الحلف القديم الذى تآمر على ثورة يوليو قبل ذلك، وحاربها بكل الوسائل حتى استطاع توجيه ضربة 1967، إنه الحلف القديم الذى يتفق على شىء واحد: هو أن لا تبنى مصر دولتها الحديثة الديمقراطية، وأن لا تمارس دورها الطبيعى فى قيادة أمتها العربية، وأن لا تكون المنبر الذى يشعّ على المنطقة أنوار الحرية والاستنارة والتقدم والمشاركة فى صنع الحضارة، إنه الحلف القديم الذى لا يريد للمصرى أن يرفع رأسه، بل يريده عبدا للسمع والطاعة.. للحكم الاستبدادى فى الداخل، ولقوى الاستعمار والهيمنة فى الخارج!
لكنهم واهمون.. فمصر التى أزاحت استبداد الحكم السابق قبل عامين، لن ترضى باستبداد آخر، ولعبة استخدام الدين الحنيف لإقامة الفاشية انكشفت للجميع. والملايين التى خرجت تطلب العدل لن تقبل الظلم مرة أخرى. والثورة التى طلبت الحرية والكرامة لن ترضى بإهدار الحريات ولا بضياع كرامة الوطن والمواطن فى ظل هذا الحكم الفاشل والفاشى الذى لا يتورع عن عرض مصر للبيع لكى يبقى فى الحكم!
بعد عامين من سقوط رأس النظام السابق، تجدِّد الثورة نفسها، تقف مصر كلها فى جانب، والحكم الفاشى وحده فى جانب آخر، مثل أى حكم فاشى لا يجد أمامه إلا القتل والسحل والتعذيب فى مواجهة الشعب. مثل أى حكم فاشل وغبى لا يدرك أن كل شهيد يسقط يقرّب النظام من لحظة السقوط.
مثل أى حكم فاشل وفاشى، لا يدركون أن أجيالا جديدة من الثوار اكتسبت فى عامين من الخبرة السياسية والنضالية ما كان مستحيلا أن تكتسبه فى عقود. ولا يفهمون أن مصر -بعد الثورة- لا يمكن أن تخضع لاستبداد جديد، ولا أن يحكمها التخلف، ولا أن ترضى بالتبعية، ولا أن يعيش أغلب أبنائها يعانون الفقر والبطالة فى ظل حكم يحاول خداع الناس بالدين، بينما هو لا يمثل إلا أسوأ امتداد للحكم السابق الذى سقط رأسه قبل عامين، ولكن النظام لم يسقط، بل أطال اللحية وهو يسرق الثورة ويغتال الثوار!
عامان عانى فيهما شعب مصر الكثير. لكنه يعرف الآن جيدا أن معاناته لم تكن بسبب الثورة، بل بسبب اختطاف الثورة.. لهذا يجدد الشعب ثورته ويطلب الثأر ممن قتلوا الشهداء واغتالوا الأحلام. تعلَّمَت الملايين الدرس، ولن تتوقف ثورتها حتى تسقط الفاشية وتتحقق الحرية والعدل وكرامة الإنسان.