حين قابلت شكرى بلعيد الزعيم المعارض الذى تم اغتياله أخيراً فى تونس انصب اهتمامى على حديثه عن المشهد التونسى ومواقفه المعارضة، وأمضينا الوقت على أحد مقاهى نهج الحبيب بورقيبة، بوسط المدينة، نقارن بين الوضع فى تونس والوضع فى مصر الذى كان حريصاً على السؤال عن كل تفاصيله.
لكن ما يعود إلى ذاكرتى اليوم من كلمات «بلعيد» التى قالها لى منذ بضعة أشهر هو ما أهملته فى حينه، وهو حديثه عن الاغتيالات السياسية التى لم أكن أعرف أنه سيسقط ضحية لها بعد شهور.
كانت الشرطة فى تونس قد أطلقت النار لأول مرة على بعض ممثلى التيار السلفى الذين اعتدوا على أحد رجال الشرطة، وكانت تلك هى أول مواجهة دامية بين الجانبين، ولم يكن «بلعيد» مرتاحاً لذلك رغم أنه رأى أن الانشقاق الذى كان قد بدأ بين حزب النهضة الإسلامى الحاكم والحركة السلفية فى صالح قوى الثورة.
وقال «بلعيد» إن التطورات السياسية تمضى قدماً فى اتجاه الاغتيالات، ومكث بعض الوقت يتحدث عما كنت أعرفه بالفعل من أن الاغتيال هو جزء لا يتجزأ من عقيدة الإسلام السياسى، فإذا كانت العقيدة الدينية تتمحور ـ على حد قوله ـ حول الرب والشيطان، فإن كل من هو ليس مع الرب من وجهة نظر أصحاب هذا الاتجاه هو بالضرورة مع الشيطان، فكيف لا يتم محاربته بل قتله «فى سبيل الله» كما حدث مع كل الاغتيالات التى شهدها التاريخ الإسلامى التى لم ينج منها الصحابة أنفسهم؟
كان الوقت ليلاً وهبت علينا نسمات تنبئ بأول مظاهر شتاء قادم فأحكم «بلعيد» وضع «الكاسكيت» التى على رأسه، وطلب فنجاناً آخر من القهوة الفرنسية ثم رد على ملاحظة أبديتها قائلاً: إذا كان الإخوان عندكم وعندنا لم يلجأوا للاغتيالات حتى الآن فذلك لأن أعينهم مازالت على صورتهم فى الغرب وهم يريدون أن يظهروا بمظهر اليمين المعتدل الذى يحبه الغرب، لكنهم سيلجأون عندكم وعندنا بعد أن تستقر أوضاعهم إلى الاغتيالات التى اعتادوها لسبب بسيط وهو أنهم لا يملكون وسيلة أخرى يتخلصون بها من معارضيهم، فهم لا يملكون الحجة التى يردون بها على فكرنا، ولا البرنامج السياسى البديل الذى يقدم الحلول لمشاكل مجتمعاتنا العربية.
وجاء فنجان القهوة فشربه «بلعيد» بسرعة، وحضر بعض زملائه فأخذوه إلى اجتماع حدثنى عنه وعدت إلى الفندق أسجل ملاحظاته حول الوضع فى تونس، ولم أتصور أن ما لم أدونه من كلماته حول الاغتيال سيصبح هو الأهم بعد أشهر معدودة.
msalmawy@gmail.com