لا حصانة لأى شيخ أو حتى عالم أو رجل دين فى الإسلام، فضلًا عن أنه أصلًا لا يوجد رجل دين فى الإسلام، لكن ما نراه ونعيشه هذه الأيام، استكمالًا لمظاهر استمرَّت معنا منذ صعود الحركة الإسلامية برعاية حكم الرئيس الراحل السادات، هو تسويق فكرة الشيوخ الممنوع عنهم النقد والهجوم، ثم إن أى جلابية بيضاء مع لحية طويلة غير مشذَّبة وزبيبة صلاة وحنجرة متجرئة باتت هى مؤهلات الزعم بالعلم.
إن بيئة الجهل تنتج جهالًا.
كما أن بيئة التطرف تنتج تطرفًا.
فى الجزيرة العربية حين ظهرت أفكار محمد بن عبد الوهاب شديدة الانغلاق الذهنى والمفرطة فى التشدد، كانت ردًّا على حالة متردية فى أرض الرسالة، حيث انتشرت أيامها ظاهرة إتيان الغلمان، وصارت كأنها عودة لقوم لوط، ولأسباب غير مفهومة سادت حالات تقديس الشجر والصخور وانحرافات مذهلة فى البلد التى كانت مهبط الوحى ومبعث الرسالة، واجه عبد الوهاب بوهابيته الغلو بالغلو والتطرف بالتطرف، لكن بالمناسبة، كيف كانت مصر وقتها؟
نحن نتحدث فى حدود القرن الثامن عشر، حيث كانت مصر تحت حكم المماليك بتفويض من السلطنة العثمانية، وكانت كما كانت دائمًا حامية الإسلام والمسلمين، وبالتأكيد كانت متماسكة دينيًّا وأخلاقيًّا عن المشهد الذى كان سائدًا فى شبه الجزيرة العربية، ودعا لظهور أفكار بن عبد الوهاب!
الآن مستوى التعليم المنحط فى مصر هو المسؤول عن تخرّج الداعية الجهول وجمهوره الأكثر جهلًا، وأسوأ ما يجرى هو منح الجهلاء هذه الدرجة من الحصانة أو الخوف من مواجهة الجهل ضعفًا أو حذرًا أو ترفُّعًا أو تأفُّفًا، وهو ما يدفع بمصر إلى مستنقع علمى، فضلًا عن أن رائحته عطنة، فإنه لا يمكن معالجة مياه هذا «الصرف الفكرى»!
الداعية والواعظ فى الغالب ظاهرة صوتية شفوية، يعتمد على جلال الصوت وقوة الحنجرة والأداء الحركى والتعبيرى، ويخاطب العوام وغير المتبحرين فى العلم أو حتى التعليم، جمهوره من البسطاء فى الثقافة الدينية مهما بلغت درجة تعليمهم ومهما وصلت درجة ثرائهم أو فقرهم، الداعية لم يكتب حرفًا فى الغالب على ورقة ولم يصدر كتابًا ولا مؤلفًا يجمع أفكارًا ورؤى، ولم يقدِّم منهجًا جديدًا فى الفهم ولا دراسات معمّقة ولا قراءات متجدِّدة فى الفقه والفكر الإسلامى، بل هو وسيط صوتى وناقل شفوى وليس صاحب منهج أو منطق أو مدرسة.
المشكلة فى هذا الذى يجعل من مناقشة داعية وواعظ وتفنيد آرائه طعنًا فى الدين نفسه -وفى الإسلام ذاته- ويجعل من منتقديه أعداء للدين، رغم أن بعض دعاة الدين صاروا فى الحقيقة دعاة تطليع الدين!