لا يقبل العقل المدير للجماعة شريكًا فى الملك ولا مشاركًا فى اتخاذ القرار ولا منازعًا فى مساحات النفوذ، ولا يتحاور إلا حوار المضطر ويكيفيه عبئًا شراكة الخارج وقوة تأثيره وهيلمانه، وبالتالى فلا مجال ولا مكان هنا لا لليبرالى ولا يسارى ولا سلفى ولا جهادى إلا فى حدود ضبط الزوايا وحفظ الاتزان والاستعانة بأحدهم على الآخر ليسحقه، والانتظار كالذى «يلبد فى الدرة» ليدور على هذا الذى استعان به ليسحقه هو أيضا ولكن لمّا تسنح الفرصة باتباع نظرية «اصبر علىّ لما أفوقلك».
وتحتل الانتخابات البرلمانية المقبلة أهمية خاصة لديهم لعدة أسباب متعلقة بالحصول على شرعية جديدة بأى ثمن، تعوض الشرخ الذى أصابهم فى مؤسستهم الرئاسية حتى انهارت هذه الشرعية عند العامة قبل الخاصة وسندا جديدا فى طريقهم المرسوم الذى لم يعد خافيًا على أحد، ولكن ثمة أهمية أخرى قصوى وهى إعادة رسم علاقاتهم مع الفرقاء والحلفاء، سواء مدنيين أو إسلاميين.
أولا: الإسلاميون. كما هو معروف فالسلفيون هم العدو الأكبر للجماعة وتعتبرهم المهدد الحقيقى لإتمام بسط نفوذها فى ربوع الوطن، نظرا لأنهم، ومنذ السبعينيات، قد استأثروا تقريبا بالعمل الدعوى وصار مريدوهم وطلابهم فى كل مكان، وليس السلفيون وحسب، بل كل من حمل فكرة بمرجعية إسلامية هو خصم لهم ومطلوب إقصاؤه وتحجيمه وهذا ما لا يعيه بعضهم حتى الآن ولكنهم سيدركونه عما قريب.
وسيسير منهج الإخوان معهم، من وجهة نظرى، على خطوات حسنى مبارك مع الإخوان، بمعنى أنه على العالم أن يختار بيننا، نحن المتفاهمين غير المتشددين القابلين بكل شروطكم، وإما هؤلاء المتشددين الصارمين الذين لا مجال لكم ولا مدخل فى التفاهم معهم.
«الفزاعة»، وسيبدأ الإخوان فى التركيز على أفكارهم المتشددة تجاه المرأة والأقليات والمعاملات المصرفية وغيرها وتصديرها بقوة للداخل والخارج، فضلا عن الترويج لأنهم فى منهجهم لا يؤمنون أصلا بالديمقراطية ولا بالمجالس التشريعية على قاعدة أن انتخاب المُشرِّعين لسنّ قوانين ينتهك حكم الله، الذى هو صاحب السيادة الوحيد الحقيقى فى العالم. ومن ثم فإنه من خلال إعلاء سيادة الديمقراطية فإن المرء يساوى بين البشر والخالق ويتجه بذلك نحو الشرك.
فضلا عن إمكانية الصراع العنيف بينهم وبين بعض تلك الجماعات عندما يتكشف لها نوايا الإخوان ناحيتهم وهو ما سيوظفه الإخوان أيضا ضدهم بأن هذه الجماعات لم تترك العنف ويجب قمعها، وربما تقديمها قربانًا للأمريكان.
الجزء الأخطر فى هذه اللعبة هو أن الإخوان يدركون تماما خطورة أن يتجه الأمريكيون نحو قبول السلفيين كأطراف سياسية ما داموا يقدمون على مراجعات لتقبل فكرة الديمقراطية ومفهومها، مثلما فعل الأمريكان معهم بالضبط تطبيقا لنفس نظريتهم التى تقضى بأن أفضل وسيلة لتجنب شرور المتشددين هى دمجهم وليس إقصاءهم وصرفهم إلى اللعبة داخل بلادهم بدلا من تصديرها إليهم، وأظن أن ذلك مدعاة ثانية للإخوان لحربهم القادمة ضد السلفيين فهم لا يريدون أحدًا على الحِجر فى مصر غيرهم ولا منهجًا مرتكزا على الإسلام ويعمل بالسياسة غيرهم.
ثانيا: المدنيون، سيتجه الإخوان لمحاولة مد حبل الوصال لتيارات مدنية أخرى غير التى أقامت معها تحالفاتها فى الفترة السابقة- أعضاء الحوارات الوطنية الدائمين- نظرًا لعدم تأثير هؤلاء، لا فى وسطهم الذى تركوه ولا فى الشارع الذى نبذهم، وبالتالى فقد أصبحوا كارتًا محروقًا لا يجدى اللعب به، والأنسب هو الاتفاق مع قوة مدنية أخرى على تشكيل حكومة ائتلافية بعد البرلمان تعطى الانطباع للخارج والداخل بالتوافق، فتعزل بذلك القوى الأخرى الرافضة لهم وتضعهم فى ركن الداعين للهدم محترفى الاعتراض، الساعين للخراب الأبدى، المتكالبين على منصبهم الرئاسى، أو لا يتحالفون، فتشدد بذلك عليهم الخناق لتبدأ مرحلة الانقضاض عليهم.