للمرأة المصرية على مدار التاريخ دور حيوى فى مختلف المجالات، وصولًا إلى مجال السياسة وأعلى المناصب، كان الأمر كذلك فى تاريخنا الفرعونى العريق وأيضًا فى مراحل تالية بعد دخول العرب مصر، ففى تاريخنا الفرعونى أدوار فارقة لعبتها المرأة المصرية فى مختلف المجالات وصولًا إلى مجال الحكم بشكل غير مباشر ومباشر أيضًا، فقد لعبت المرأة الفرعونية دورًا مهمًّا فى التأثير على صانع القرار المصرى من مكانة الزوجة والأم، كما تقلَّدت السلطة بشكل مباشر كملكة، أمثال حتشبسوت وكليوباترا، وتاريخ العصور الوسطى متّخم بأدوار مشابهة، وما مثال شجرة الدر ببعيد عن ذاكرة تلاميذ مصر ودارسى تاريخ تلك الحقبة. وكان للمرأة المصرية دور مهم فى مشروع عبد الناصر القومى، ووجدت فى معظم المناصب المهمة، وحرص النظام السياسى فى تلك الفترة على إقرار مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة بما لا يخالف الجوانب العقيدية فى الأحوال الشخصية التى تنظّمها الشريعة الإسلامية بالنسبة إلى المرأة المسلمة. حصلت المرأة المصرية على معظم حقوقها من الناحية القانونية النظرية، وهو أمر كان تطبيقه يتوقَّف على درجة نضج وتطور البيئة المحلية والوسط الاجتماعى، فالمؤكد أن وضع المرأة فى المدينة كان أفضل من وضعها فى الريف، ووضعها فى مناطق الطبقة الوسطى والشرائح العليا من هذه الطبقة إضافة إلى الطبقة العليا كان أفضل من مناطق الطبقات الأدنى، وإن كانت الأخيرة تشهد نسبة عمل للمرأة أعلى من معدلات الفئات الأخرى لاعتبارات تتعلَّق بالمشاركة فى أعباء المعيشة.
عمومًا، لعبت المرأة المصرية دورًا مهمًّا فى بلادنا فى كل المجالات، ونشطت فى الدفاع عن حقوقها وتشكَّلت عشرات الجمعيات التى تدافع عن حقوق المرأة بصفة عامة، والمرأة المعيلة بصفة خاصة، وأيضًا الدفاع عن جوانب أخرى مختلفة من حقوق المرأة. ناضلت المرأة المصرية لإقرار حقوقها فى القانون والدستور، وانتقلت بعد ذلك إلى الدفاع عن الحقوق العامة للمصريين من حرية الرأى والتعبير، وحرية الاعتقاد، وتطبيق العدالة الاجتماعية، وغيرها من مجالات النشاط الهادف إلى تطوير المجتمع ونظامه السياسى. ومع اندلاع شرارة ثورة الخامس والعشرين من يناير وجدنا المرأة المصرية فى صدارة الصفوف المطالبة بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، وهو أمر لم تستطع قوات أمن مبارك مواجهته، لأن الزخم الثورى والتوافق الوطنى لم يعط فرصة لقوات الأمن لابتداع طرق تعدّى على المرأة وإهانتها، وهو الأمر الذى نفَّذته قوات الشرطة العسكرية والأمن المركزى خلال المرحلة الانتقالية التى شهدت عمليات تحرش مبرمج بالفتاة والمرأة المصرية وتعدّى على جسدها فى محاولة لمنعها من المشاركة فى المظاهرات المطالبة باستكمال أهداف الثورة. وجاء زمن الإخوان ليحمل معه كل جديد فى فنون إهانة المرأة المصرية والاعتداء عليها وانتهاك حرمة جسدها، فهذه الجماعة لا تؤمن بحقوق المرأة ولا ترى لها حقوقًا خارج منزل الزوجية، فالمرأة بالنسبة إلى الجماعة هى زوجة وأم فقط، مهمتها السهر على راحة الزوج وتلبية طلباته واحتياجاته وتربية الأبناء، ولا مكان لها فى العمل العام، من هنا نفهم تقدّم نائبة عن حزب الحرية والعدالة بمشروع قانون يطالب بإسقاط عقوبة التحرش الجنسى عن الرجل على أساس أن التحرش مسؤولية المتحرش بها التى وضعت نفسها فى مكان وموقف دفع الرجل للتحرش بها. ومن جانبها ابتدعت الجماعة أساليب متنوعة لدفع الفتاة والمرأة للبقاء فى «البيت» وعدم مشاركة الرجل فى الدفاع عن حقوق المصريين واستكمال أهداف الثورة، ومن بين أبرز هذه الأساليب تجنيد شباب بشكل مبرمج للتحرش الجماعى بالفتاة والمرأة على نحو أخذ شكل الظاهرة، وبدا واضحًا أن الجماعة وراء عمليات التحرش واسع النطاق بالمرأة المصرية، حيث تحاول الجماعة كسر إرادة المرأة عبر انتهاك جسدها سواء بالاعتداء البدنى الشديد كما حدث حول الاتحادية، حيث جرى الاعتداء على فتيات مصريات شاركن فى المظاهرات حول قصر الاتحادية، أو من خلال عمليات التحرش الجنسى فى محاولة لإذلال الفتاة والمرأة حتى لا تخرج من «البيت». ولكن ما لم تحسب الجماعة حسابه وما لم تضعه فى اعتبارها أن لكل فعل رد فعل ربما يتجاوز الفعل كثيرًا وأن المرأة المصرية لديها القدرة على الدفاع عن نفسها بأساليب غير متوقعة، فقد شهدنا على مدار الأسبوع الماضى مظاهرات نسائية ضخمة دفاعًا عن الرجل المصرى، تضامنًا مع المواطن الذى سحلته قوات أمن مرسى أمام بوابات قصر الاتحادية، وبعد ذلك جاءت المظاهرة النسائية الضخمة التى انطلقت من مسجد السيدة زينب وصولًا إلى ميدان التحرير، وكانت هذه المرة دفاعًا عن الفتاة والمرأة ضد التحرش الجنسى وانتهاك حرمة أجسادهن، والجديد فى الأمر أن فتيات وسيدات مصريات ارتدين قناع الـ«بلاك بلوك»، تضامنًا مع الظاهرة، تحديًا للإخوان ونائبهم العام، وهناك مَن حملن الأسلحة البيضاء والعصى الخشبية وأسياخ الحديد، مرددات شعارات معادية للجماعة وفرق التحرش الجنسى التابعة لها، مؤكدات فى الوقت نفسه، أن الفتاة والمرأة المصرية ستواصل النضال الوطنى جنبًا إلى جنب مع الرجل، وأنها ليست ضعيفة وباتت مستعدة للدفاع عن نفسها شرفها وعرضها بالقوة، وهو ما ينقل البلاد إلى مرحلة جديدة من العنف، حيث يتوقّع أن تنوع المرأة المصرية من أدوات الدفاع عن النفس ضد ميليشيا الجماعة التى صدرت لها الأوامر بإهانة المرأة المصرية والتحرش الجنسى بها.