يحب التيار المتمسح بالدين أن يلجأ طول الوقت إلى عبد الله بن سبأ.
يبذل المتأسلمون جهدا منظما ومخلصا فى إقناع أنفسهم أن عبد الله بن سبأ هو سبب فشل مرسى وعجزه، ويتحدثون عنه وعن دوره فى تفسير غضب الناس لأفعال مرسى وأقواله وقوانينه وممارسته وسياسة تياره وأنصاره، الذين وصلوا إلى درجة من التوحش والبشاعة جعلتهم يبررون ويسكتون ويباركون الخطف والقتل والتعذيب للمعارضين.
هى إذن مأساة عبد الله بن سبأ لا تتوقف عن التكرار كأننا أمام غفلة لا تموت وجهل لا يفنى!
عبد الله بن سبأ يهودى من أهل صنعاء، أسلم فى أيام عثمان، ثم صار ينتقل -كما تروى الكتب- فى الأمصار يكيد للخليفة الراشد عثمان بن عفان، ويغرى به، ويحرِّض عليه.
وإلى ابن السوداء ينسب كثير من الناس كل ما ظهر من الفساد والاختلاف فى البلاد الإسلامية أيام عثمان.
ولاحظ أن كل هذه الأمور والمؤامرات تجرى فى عز وجود صحابة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، بينما رجل واحد يتحدث المؤرخون عنه بمنتهى العنصرية فيطلقون عليه «ابن السوداء» يستطيع أن يكون سوبرمانًا خارقًا ويبث الفرقة والفتنة بين الصحابة.
فى التاريخ الإسلامى فريقان:
فريق أكبر وأوسع انتشارا (ظهر طبعا منذ الدولة الأموية) يؤمن بوجود هذا الرجل الخارق الذى أظهر الإسلام وأخفى اليهودية فى صدره (تفتيش للقلوب واضح)، وهو الذى صنع الفتنة بين الصحابة فراح ضحيتها عشرات الآلاف من الصحابة والتابعين والمسلمين الأوائل الذين استسلموا لاختراق ابن سبأ ولم يتمكنوا من مواجهته ومعاقبته، بل انضمّ إليه آلاف وصار خلف أفكاره آلاف ونفذ أهدافه بمنتهى الدقة الآلافُ وقتل آلافٌ من المسلمين آلافًا آخرين دون أن يدركوا أن وراء كل هذا رجلًا واحدًا يمكن أن يحبسوه أو يقتلوه، لكنه خدع الأمة الإسلامية كلها فى توقيت كان العظام الأوائل فيه هم القائمين على إدارة الأمة كلها!
الفريق الآخر من المؤرخين ينكر وجود عبد الله بن سبأ، أصلًا ويرى أنه شخصية وهمية اخترعها المؤرخون من أجل تبرئة المسلمين من إشعال حرب أهلية وفتنة كبرى بينهم بتحميل رجل واحد من المسلمين أخفى يهوديته (لا نعرف من اطَّلع على يهوديته المُخفاة فى صدره ليتأكد من حقيقة هذا الوهم!) مسؤولية كل هذه الدماء المراقة والاغتيالات الكبرى.
لكن الذين يرون أن ابن سبأ وراء الفتنة الكبرى من عصر عثمان بن عفان رضى الله عنه حتى فتنة فشل محمد مرسى، يضعون كل فشلنا على العنصر المتآمر الخارجى الكونى الجهنمى الأسطورى الذى يؤجِّر الرجال ويجنِّد العملاء ويثير الفتن، وأن كل ما يحدث إنما هو بسبب المؤامرة الوهمية المتخيَّلة فى أذهانهم، بينما الحقيقة أن حكام المسلمين وجمهور الأمة هم سبب الأزمة وأصل الفتنة، وأنه لا مؤامرة ولا يحزنون على مرسى، بل الإخوان هم المتآمرون على مصر كلها منذ وضعوا يدهم فى يد عمر سليمان ويوم عقدوا اتفاق الانسحاب من الميدان ويوم أبرموا الصفقة مع المجلس العسكرى!
إذا كان هناك ابن سبأ فهو من سبق وأكل النَّبَق!