تم اغتيال المعارض التونسى الكبير شكرى بلعيد، فاستقالت الوزارة كلها ـ أو أقيلت ـ وفى مصر تم اغتيال 56 شخصاً، وتم الاعتداء بالضرب والسحل والتعذيب على مئات آخرين، منهم من مازالوا معتقلين، ولم تقل الوزارة، ولا تقدم الوزير المسؤول باستقالته.
السبب فى هذا ليس بلادة السلطة الحاكمة الآن فى مصر، أو سمك جلدها الذى يصفه المواطن العادى بـ«التناحة»، وإنما السبب ببساطة هو أن مصر ليست مثل تونس، والدلائل على ذلك هى ما نشهده، منذ تولى الإخوان، الحكم من كوارث لا مقارنة بينها وبين اغتيال الزعيم التونسى المعارض، دون أن تتحرك للحكومة شعرة، لقد حدث هذا فى كارثة قطار الصعيد التى راح ضحيتها العشرات، وحدث هذا فى الأحداث الدامية التى تشهدها الموجة الثانية من الثورة منذ يوم الجمعة 25 يناير الماضى، والتى وصل من تم اغتيالهم فيها إلى 56 شخصاً، وأنا هنا ألتزم ببيانات المجلس القومى لحقوق الإنسان الذى أعاد الإخوان تشكيله بعد توليهم السلطة، فأخرجوا منه من يريدون، وعينوا من يريدون، ووضعوا على رأسه من ترأس، بنجاح كبير، جمعية الإخوان التأسيسية لكتابة الدستور الدكتور حسام الغريانى.
أما أكثر ما يثبت أن مصر ليست مثل تونس فهو واقعة حمادة صابر التى أريد إلحاقها بسجل تجاوزات الشرطة، والشرطة منها براء، فقد ثبت وفق آخر ما ورد بتحقيقات النيابة أن المجنى عليه هو المعتدى، حيث قال أحد الشهود إنه شاهد حمادة صابر وهو يهاجم ضباط الأمن المركزى ويلقى عليهم قنابل المولوتوف، ولما أرادوا الدفاع عن أنفسهم ألقوا عليه القنابل المسيلة للدموع وأصابته إحداها فانفكت على الفور أزرار بنطلونه، ثم يبدو أن تلك هى اللحظة التى بدأت ملابسه تنخلع من تلقاء نفسها قطعة قطعة، فهل شاهد أحد فى الدنيا مثل هذه القنابل التى إلى جانب إسالة الدموع تساعد أيضاً على فك أزرار البنطلونات؟
لقد سمعت أن هذه القنابل الجديدة، التى لم يستخدمها أحد قبل حكم الإخوان، هى المسؤولة عن انتشار ظاهرة التحرش بالنساء التى تزايدت مع تزايد استخدام الشرطة القنابل المسيلة للدموع، فماذا تنتظرون إذا كانت الشرطة تقوم بفك أزرار بنطلونات الرجال بهذا الشكل، فيفاجأ الرجل الذى يستنشق غازات القنابل المسيلة للدموع بأن أزرار بنطلونه قد انفكت وأن بقية ملابسه بدأت تنخلع من تلقاء نفسها؟!
ولقد اكتفت تحقيقات النيابة بتسجيل أقوال الشهود حول ما تحدثه القنابل المسيلة للدموع لأزرار بنطلونات الرجال، لكنها لم تسجل ما لابد قد حدث لأزرار وسوست وكباسين ملابس النساء والتى لابد تأثرت هى الأخرى بالقنابل وبغازاتها الفاكة للأزرار.
إن تلك الشهادات المهمة التى سجلتها تحقيقات النيابة تثبت أننا ظلمنا قوات الأمن المركزى، حين تصورنا خطأ أن أفرادها هم الذين فكوا أزرار بنطلون حمادة صابر، وهم الذين خلعوا عنه ملابسه، بل هى تثبت أننا ظلمنا أيضاً هؤلاء المتحرشين الذين تصورنا أن الإخوان قد أرسلوهم كى يعملوا على إخراج النساء من المظاهرات وضمان عدم نزولهن ثانية، بينما هم لابد تعرضوا لغازات القنابل المسيلة للدموع، فوجدوا فجأة أزرار بنطلوناتهم قد فكت وشاهدوا ما لابد قد حدث أيضاً للنساء، فماذا كنا نتوقع منهم فى مثل هذا الموقف الذى غاب عنا جميعاً إلى أن سجلته للتاريخ نيابة مصر الجديدة، التى أثبتت بذلك، وبما لا يدع مجالاً للشك، ليس فقط أن مصر ليست مثل تونس، وإنما أن دولة الإخوان ليست مثل أى دولة أخرى على وجه البسيطة!