فى عام 1978، دخل المصريون والإسرائيليون منتجع كامب ديفيد فى الولايات المتحدة، وأغلقوه على أنفسهم، من أجل الوصول إلى حل، وقد وصلوا إليه فعلاً، بما أدى إلى توقيع معاهدة السلام بين الطرفين عام 79، التى لايزال الطرفان يحترمانها إلى اليوم.
واقعة حية كهذه لابد أن تتجسد فى ذهنك، وأنت ترى أن المصريين فى عام 2013 عاجزون عن التوافق فيما بينهم، فضلاً عن الاتفاق، ولابد أن تسأل نفسك فى حزن، والحال هكذا، عما يمنع أطراف العملية السياسية، اليوم، من التوافق على حل ينقذ البلد، بعد أن كنا - نحن أنفسنا - قد وصلنا إلى حل مع الإسرائيليين أنفسهم، بصرف النظر عن رأى بعضنا فى طبيعة ذلك الحل، أو فى مدى عدالته، فالمهم أنه حل، والمهم أيضاً أنه محترم من طرفيه على مدى 35 عاماً، والمهم كذلك أن الطرفين أقسما، يومها، على عدم مغادرة المنتجع الشهير، إلا بعد التوصل إلى صيغة يرضى كلاهما عنها!
الآن، وفى هذه اللحظة، نبقى نحن أحوج الناس إلى صيغة توافقية بيننا، وحين أقول «نحن» فإننى أقصد ثلاثة أطراف لا رابع لها، أما أولها فإنهم الثوار، أصحاب الثورة الحقيقيون، وأما ثانى الأطراف، فهو التيار الإسلامى عموماً، والإخوان خصوصاً، ليبقى الثالث ممثلاً فى جبهة الإنقاذ الوطنى، بكل مَنْ فيها من أسماء كبيرة ومحترمة.
هذه الأطراف الثلاثة الرئيسية ليس مطلوباً منها أن تتوافق حول «عام حرام» فقط، تتوقف خلاله المظاهرات تماماً، كما كنت قد دعوتها أمس، فى هذا المكان، وإنما مطلوب منها، كأطراف ثلاثة فاعلة فى حياتنا العامة، أن تسأل نفسها، فى هدوء، وبسرعة، عما يجوز أن نفعله فى هذا العام الحرام، وعما لا يجوز فعله.
فالمقصود من وراء هذا «العام الحرام»، الذى دعوت إليه، والذى أدعو كل وطنى غيور على بلده أن يتمسك به، ويدعو إليه بالقوة نفسها، أقول بأن المقصود من ورائه أن نمهد الأجواء العامة فى البلد، خلاله، بحيث تكون لدينا عند نهايته أرض صلبة يمكن الوقوف عليها، والبناء فوقها، وإلا فإن أى بناء سوف يقوم عليها، بحالتها الراهنة، بكل ما فيها من اختلاف وصراع، سوف ينهار فى لحظته!
فما المعنى؟!.. المعنى أن المطلوب منا أولاً أن نتوافق حول هذا العام، سريعاً، وأن نحدد بدايته ونهايته، وعندئذ سوف يكون علينا أن ننتقل إلى خطوة ثانية أهم، هى تحديد أولويات عملنا خلاله، وما إذا كان من الممكن، مثلاً، إجراء انتخابات البرلمان فيه، أى فى هذا العام، أم أنه من الأفضل جداً أن نؤجلها، لنمهد لها الأجواء العامة، أثناء هذا العام، فنشتغل طوال شهوره على توفيق الاقتصاد المريض على قدميه، وإصلاح عجز موازنتنا، وحسم قضية الدعم، ورفع دخل المواطن، والالتفات أكثر إلى سيناء، بحيث نكون مطمئنين عليها تماماً، والذهاب إلى الريف للتخفيف من معاناته، بدلاً من مجيئه وزحفه هو على القاهرة، وعلى المدن، و... و... إلى آخر هذه الملفات الساخنة المفتوحة، التى لن يمكن إجراء انتخابات حقيقية مع بقائها كملفات مفتوحة هكذا، بلا حل، وبلا حسم!
انتخابات البرلمان، يا أيها الثوار، ويا أيها الإخوان، ويا أيها الرجال فى جبهة الإنقاذ، تجرى لتعبر عن مجتمع يحظى فى حياته بالحد الأدنى من الاطمئنان، والاستقرار، فهل هذا مجتمع، بالله عليكم، جاهز بحالته الراهنة لإفراز برلمان طبيعى، أم أن برلماناً من هذا النوع سوف لا يلبث أن ينهار، لأنه، والحال هكذا، قام على غير أساس راسخ؟!
لا اقتصاد البلد، ولا حالته الأمنية، ولا حالته السياسية، ولا وضعه إجمالاً، تتقبل إجراء انتخابات.
يقول الدكتور مرسى، ورئيس حكومته، إنها سوف تجرى خلال شهرين أو ثلاثة من الآن، وإذا حدث وصممنا على أن تجرى فى موعدها، فسوف يكون حالها حال الدستور الذى لا يكاد يخلو ركن فى البلد من مظاهرة تطالب بإسقاطه!
عار علينا أن نتفق مع إسرائيل، ثم لا نتفق بيننا وبين أنفسنا، مع أن هدفنا المفروض أنه واحد، ومن الخطأ، بل سوف تكون خطيئة، إذا جرت انتخابات برلمانية فى ظروف كهذه، فاجلسوا معاً لأجل هذا الوطن، وتوافقوا على عامنا الحرام هذا، ثم على أولوياتنا فيه، ثم على انتخاباتنا فى آخره، حتى يمكن إنقاذ السفينة، التى إن غرقت - لا قدر الله - فسوف تغرق بإخوانها وسلفييها، وناصرييها، وليبرالييها، وغيرهم طبعاً، وإن أنقذناها، بتوافق من هذا النوع، فسوف ننقذها بالجميع، فالكل، فى حالة اللاتوافق، خاسر لا محالة، والكل أيضاً، إذا توافقنا، رابح على نحو مؤكد!