هل صحيح أن من بين أسباب استقالة وزير الثقافة الدكتور محمد صابر عرب تلك الضغوط المتزايدة لأخونة الثقافة، والتى تكررت أخيراً فى عدة مواقف كان آخرها طلب وقف أحد عروض المسرح ذات الطابع السياسى التى يقدمها شباب المسرحيين؟
إن المسرح، مثل باقى الفنون فى مصر من سينما وغناء وخلافه، مازال يقع تحت الرقابة، ففى الوقت الذى تحررت فيه الصحافة منذ سنوات من الرقابة الرسمية للدولة، كما تحرر أيضاً النشر، فإنه لا يتم عرض أى عمل فنى على الجمهور، سواء كان فيلماً أو مسرحية أو أغنية إلا إذا أجازته الرقابة على المصنفات الفنية، وهى رقابة بطبيعتها ضيقة الأفق، لكن السلطة السياسية كثيراً ما يكون أفقها الفكرى والثقافى أكثر ضيقاً فتطلب وقف عرض فنى أجازته الرقابة، أو مصادرة كتاب تم طرحه فى الأسواق.
والعرض الذى يقدمه الشباب يشتبك مع الواقع الذى نعيشه، شأنه شأن أى عمل فنى جدير بهذا الاسم، كما يعرض بعض المشاهد المصورة التى تعكس نبض الشارع، لكن يبدو أن هذا لم يعد ممكناً فى ظل الحكم الحالى الذى لا يخفى عداءه للفكر والفنون والآداب، فهى بطبيعتها أنشطة متمردة على الواقع وهذه هى قيمتها، لأنها ترفض الواقع تطلعاً لما هو أكمل وأجمل، وبالتالى فهى تستعصى على سياسة السمع والطاعة.
ولقد تعرض الوزير قبل ذلك لمحنة شديدة وقت افتتاح تلك الدورة البائسة لمعرض الكتاب حين قامت رئاسة الجمهورية بإلغاء اللقاء السنوى لرئيس الجمهورية مع المثقفين بعد أن كانت الوزارة قد أعدت قائمة المدعوين للقاء، كما اعتادت كل سنة، وأرسلتها بالفعل للرئاسة، لكنها فوجئت برفضها وقصر لقاء الرئيس أثناء افتتاحه المعرض على مجموعة مختارة من الناشرين لا يزيد عددهم على 50 ناشراً بينما زاد عدد الناشرين المشاركين فى المعرض على 500 ناشر.
ولدينا من الأمثلة الكثير جداً على محاولات تدخل الدولة فى العمل الثقافى، والتى كان بعض حسنى الظن ينظرون إليها على أنها لا تخرج عما اعتدناه من محاولة السياسة السيطرة على الثقافة تحت جميع الأنظمة، لكن ما أصبحت تتعرض له الثقافة الآن هو سياسة ممنهجة لتجفيف منابع تمويل الثقافة برفض تقديم الدعم الذى طلبه الوزير فى مقابل السخاء الذى تحظى به بعض الوزارات الأخرى التابعة للإخوان أو من يخضعون لطلباتهم.
وإذا كان خروج وزير غير إخوانى من وزارة الثقافة يعتبر إيذاناً بدخول وزير إخوانى أو خاضع لمخططاتهم المعادية للثقافة، فإن ذلك أمر مرفوض تماماً من جموع المثقفين، ولقد فرض هذا الموضوع نفسه على مؤتمر النقابات المهنية المصرية، أمس الأول، حين أثاره المخرج خالد يوسف فنصّت توصيات المؤتمر على رفض النقابات جميعاً تعيين وزير جديد للثقافة من خارج المشهد الثقافى أو على أساس حزبى.