من المتعارَف عليه فى المقاهى الشعبية عندما يريدون تطفيش الزبائن تقليل الإضاءة تدريجيا حتى مرحلة الإطفاء التام وبعدها يغادر الرواد المقهى وهم يلعنون صاحبها الذى أفسد ليلتهم وعكَّر مزاجهم.
صاحب المقهى الذى استحق اللعنات هذه المرة كان هو وزير الثقافة صابر عرب، رغم أن الذى أصدر القرار هو المسؤول عن البيت الفنى للمسرح عندما وجد أن الأبطال يهتفون فى نهاية عرض مسرحية «الأبرياء»: «يسقط حكم المرشد»، فلم يكتفِ بإطفاء النور بل قرر إلغاء العرض تماما.
بالتأكيد هذا هو رأى الوزير، فلا يجرؤ أى مسؤول صغير أو كبير الآن أن يشيل الليلة لوحده، مثلما كان يحدث فى الماضى عندما كان فاروق حسنى لديه رجاله فى كل قطاعات الوزارة يتلقون التعليمات وينفذونها حرفيا وعندما تسألهم يؤكدون أنها قراراتهم.. الآن صار المسؤول مهما ارتفعت درجته يخشى من الحساب، الناس تستطيع أن تقتصّ من الكبار وتفضحهم، لهذا عندما سألوه قال إنها تعليمات الوزير، إلا أنه أضاف لحفظ ماء وجه الوزير «اختصارا لنفقات العرض اليومية».
الوزير ليس لديه لحية تؤكد توجهه الإخوانى، وربما أيضا ليست لديه قناعات مسبقة، فلا هو ليبرالى ولا هو إخوانى، ولكنه يريد الحفاظ على الكرسى، وبقدر ما ينفذ تعليمات الحكومة الإخوانية فهو يسعى أيضا أن لا يثير الغضب فى الوسط الثقافى.. يصر دائما على أن يركب حصانين، فهو إخوانجى قح داخل الوزارة، ولكنه خارجها رجل الثورة حامى حِمَى المثقفين، وفى عدد من تصريحاته التى يعلنها على استحياء يشير إلى ذلك، مثل أن مصر لن يكون لها لون واحد، وهو -بالمناسبة- نفس ما يردده مرسى.
لن تفرِّط مؤسسة الرئاسة فى الحكومة الإخوانية، لهذا نجد أنها على استعداد لأن تقدم شيئا من المرونة فى تعديل الدستور وتتراجع عن حظر التجول، ولكنها أبدا لن توافق على أن تسمح بحكومة إنقاذ وطنى لأن هذا يعنى نهاية النفوذ الإخوانى، وهى تصر على إحكام السيطرة على عديد من الوزارات وعلى رأسها وزارتا الإعلام والثقافة.. يقولون إن عدد الإخوان فى الوزارة لا يمثل الأغلبية معتمدين على الإخوانى أبو لحية، ولكن الحقيقة أن هناك من يتمسك بالكرسى ومستعد لكى يقدم للدولة أكثر مما تريده فيضع لحية على مخه.
وزير الإعلام أراه مباشرا فى توجهه، والشاشة الرسمية يتم مراقبتها ومتابعة المذيعين فى كل موقف، وهو صريح ومباشر، يكذب أحيانا عندما يعلن أن شاشته دون لحية، ولكنه فى كل الأحوال لا يستطيع أن يتجمل، إلا أن وزير الثقافة بين الحين والآخر يتجمل، فهو يعلم أن هناك مساحة يستطيع من خلالها تسويق نفسه، وبعض المثقفين يتم استقطابهم بين الحين والآخر للإشادة به، بالإضافة إلى أن هناك أيضا تخوفا تستطيع ببساطة إدراكه، هو أن البعض يرى أن البديل الجاهز لتولى حقيبة وزارة الثقافة هو محمد الصاوى، وهم لا شعوريا يرددون أن قضاء صابر أخفّ من قضاء الصاوى.
كأن الاختيارات توقفت عندهما ولا يوجد بديل آخر، وهذا ما يتيح لعرب مساحة أكبر من الاستحواذ على بعض الخائفين من أن تؤول الوزارة إلى الصاوى الذى لم يستطع الصمود كوزير سوى أيام قلائل فى بداية الثورة قبل إجبار الدولة على استبعاده.
بين كل ذلك ما الذى من الممكن أن يفعله المثقفون؟ مع الأسف أشعر أنهم أشبه بجزر منعزلة، بل إن كل جزيرة داخلها صراعات، المسرحيون جزيرة غير جزيرة الشعراء، وجزيرة السينمائيين لا تمت بصلة قربى أو نسب إلى جزيرة الموسيقيين، فهم لا يدركون أن الحماية تأتى من استراتيجية تضمن الحصانة لكل منظومة الإبداع. ما الذى من الممكن أن يفعله أبطال مسرحية «الأبرياء» إذا لم يتَّحِدْ معهم كل المسرحيين؟ وما الذى من الممكن أن يفعله المسرحيون لو لم ينضمّ إلى غضبتهم الشعراء والسينمائيون والموسيقيون والتشكيليون؟ ثم أين موقف جبهة حرية الإبداع التى -مع الأسف- وجدنا عددا من أعضائها قد تم توزيعهم فى لجان تابعة مباشرة للوزير فاكتفوا بهذا القدر؟
عندما يلغى الوزير مسرحية تنتقد عهد مبارك وتواصل انتقادها لمرسى وينتقل الهتاف من يسقط مبارك إلى يسقط حكم المرشد.. أليس فى هذا تعبير عن نبض القطاع الأكبر من المصريين فى الشارع؟ القضية ليست وقف عرض مسرحى، ولكنها مؤشر إلى ما ينتظر الحياة الثقافية.. ولكن تقول لمين؟!