التحية واجبة لكاميرا المحمول، فهى شاهد الإثبات الذى يتابع ويقدِّم الحقيقة، بل ويفضح الآخرين عندما يوغلوا فى الكذب، ولو عدنا إلى آخر إنجازات هذه الكاميرا، سوف نكتشف أنها لعبت هذا الدور بقوة وجرأة فى حادثة الاعتداء على المواطن حمادة صابر التى تابعها العالم على «اليوتيوب» وفى الفضائيات.
كشفت، بل فضحت هذه الكاميرا جريمتَين متكاملتَى الأركان، فمَن نزعوا عنه ملابسه وأوسعوه حقدًا وكراهية عبّرت عنهما البيادة والعصا، ليسوا فقط هم الذين أقدموا على الجريمة، تبقى الجريمة الثانية الأبشع والأكثر ضراوة أنها إجباره على الدفاع عن رجال الشرطة واتهام المتظاهرين وبعض الفضائيات بأنها هى التى تريد الإثارة للنيل من الشرطة، لولا المحمول ما كان من الممكن أن تعترف الداخلية والرئاسة بما جرى، فكان من الممكن فى سياق آخر أن تقول إن اعتراف حمادة سيد الأدلة، الكاميرا صارت هى الآن هى السيد.
الجريمة الثانية، أحد توابع زلزال تصوير الواقعة بالمحمول، كيف تم إجبار حمادة على تغيير الوقائع؟ هل أوسعوه مرة أخرى ضربًا أم لعلّهم وعدوه بوظيفة دائمة ومكافآت سخية، وهى وسيلة لا تقل إجرامًا عن إخافته وترويعه، لم أشعر فى أى لحظة سوى بالتعاطف مع حمادة، حتى وهو يكذب، فهو فى النهاية مثقل بموروث السلطة الباطشة التى كثيرًا ما تتجسَّد أمامنا من خلال العسكرى الذى يصفع المواطن بينما المواطن المغلوب على أمره يسأل هل من مزيد، الناس فقدت الثقة، ليس فقط فى جهاز الشرطة، ولكنى أخشى أن يصل بهم الأمر فقدانهم الثقة بالقضاء، النائب العام مع كل التوقير والاحترام لوظيفته وشخصه يواجه باتهام أن تعيينه من قبل الرئيس مخالف للقانون وأنه جاء لتنفيذ أجندة الأخونة، وأن وجوده فى هذا الموقع الحسَّاس هو الخطوة الأولى لتنفيذ هذا المخطط الشرير.
القضاء هو الحصن الذى نحتمى به، وهو آخر خطوط الدفاع التى تتمسك بها الأمة، ولو سقط سقطت مصر. كل المؤسسات فى الوطن تتعرَّض لهزَّة، لا يمكن أن تصمد أمام سيل العواصف والأنواء التى تعصف بأمن وأمان الناس.
الجريمتان اللتان تعرَّض لهما المواطن المصرى حمادة صابر، يجب أن نتابعهما بدقة منذ اللحظة التى قرَّر فيها أن يذهب إلى المظاهرة، هل كانت الأولى له منذ ثورة يناير؟ هل غادر منزله من أجل لقمة العيش التى كانت شحيحة قبل الثورة فباتت مستحيلة بعدها؟.. فى اللقاءات التى شاهدتها له عبر التليفزيون، أيقنت أن هذا الرجل ظريف وابن بلد، ولكنه لم يدرك أن الكاميرا ترصده ولو كذب ستفضحه.. نحن مدينون لكاميرا المحمول أو الشاشة الرابعة، كما يطلقون عليها، بكل ذلك، لقد صارت أحد أهم الأسلحة فى ثورات الربيع ولا يمكن سوى أن نتذكَّر كيف أننا كنا نشاهد من خلال المحمول قبل الثورة لقطات لرجال الشرطة وهم يعذِّبون مواطنًا ويعتدون ويهينون كرامته، العالم مدين إلى هذه الكاميرا التى لعبت دورًا فى تفاصيل الثورة التى عشناها جميعًا، بل لولا هذه الكاميرا ما كان من الممكن أن نتابع بالتفصيل وقائع شنق صدام حسين، الحقيقة مع الأسف فى كثير من الأحيان تختلط بالأكاذيب، فمن يحكى، مهما كان يتوخَّى الدقة، فإنه يروى الحقيقة التى سكنت فى أعماقه وصدَّقها وليس ما حدث بالضبط، الكاميرا تنقل الصورة مجرَّدة، كاميرات المحمول قفزت فوق السور وتسلَّلت ونقلت للعالم الحقيقة.
الإعلام به جزء لا يمكن أن نغفله، لديه مصالح مع السلطة ويستطيع فى لحظات أن يضبط تمامًا الموجة، كما يريد أولى الأمر، هناك قنوات دينية، أعترف أن الوصف غير دقيق، لأن الأديان كلها تُدين الكذب، بينما هؤلاء لا يعرفون غير الكذب، الأديان كلها تعلى من شأن كرامة الإنسان، بينما هذه القنوات لا تعرف سوى نشر مبادئ الانسحاق للحاكم، هناك قنوات تخصَّصت فى ترويج الكذب، تابعوا هذا الشيخ الذى شاهدناه متحدثًا وهو سعيد بإهانة وسحل وضرب مواطن، ويقول إنه واحد من ألف يستحقون ذلك، وهو الآن بانتظار 999 آخرين يقفون فى طابور السحل.
كاميرا المحمول ستفضح الجميع، انتظرها فى إنجاز آخر، ونحن نرى كيف تمكَّنوا من إرهاب المواطن المصرى الشريف حمادة صابر، الذى أنحاز إليه مسحولًا كان أم مقهورًا.