احتفت أكثر من مطبوعة مما دأبنا على أن نصفها بالقومية بالاستطلاع المزعوم الذى نسبوه عنوة إلى إذاعة «بى بى سى» اللندنية والذى يشير إلى أن 82% من المصريين يرفضون جبهة الإنقاذ الوطنى. رغم أن لى ملاحظات عديدة على تشكيل لجنة الإنقاذ وعلى المنهج الذى تتخذه فى إدارة الأزمة وتلك التركيبة المتنافرة بين الأشخاص الذين نراهم فى مقدمة الكادر حيث يجمع بينهم مبدأ عدو عدوى صديقى وهى المقولة التى رددها المصريون فى أثناء الحرب العالمية الثانية فانحاز بعضهم إلى ألمانيا ضد إنجلترا عدوتنا التى تحتل أرضنا، مثل هذه التحالفات تنتهى فى لحظات كما أن تاريخ عدد من أعضاء الجبهة ومواقفهم الموثقة صوتا وصورة وتحالفهم مع فساد مبارك تخصم الكثير من مصداقيتهم.
نعم مصر كما أنها تستحق رئيسا أفضل تستحق أيضا معارضة أفضل إلا أن ما أقدم عليه عدد من الصحف فى الحفاوة بما أطلقوا عليه استطلاع «البى بى سى» حيث إنها لم تكلف خاطرها بمراجعة مصدر المعلومة وهو مكتب الإذاعة فى القاهرة أو إلى الإدارة المركزية فى لندن وهو ما دفع الإذاعية نجلاء العمرى المسؤولة عن مكتب القاهرة إلى إعلان أن الإذاعة لم تُقدم استطلاعا وأن كل ما حدث هو سؤال تم توجيهه إلى 37 مواطنا فى جزء من أحد البرنامج، أتصور أن من تورط فى ذيوع الخبر كان يعرف كل هذه البديهيات للشروط الواجب توافرها فى الاستطلاع وإلا أصبح استنطاعا، وهى قواعد يعرفها طلاب سنة أولى فى كلية الإعلام ولكن الغرض مرض.
لم يتغير الإعلام قبل وبعد الثورة بل إنك من الممكن أن ترى بوضوح قانون الأوانى المستطرقة وهو يسيطر الآن على المنظومة الإعلامية الحكومية، مثلا محطة الأغانى التابعة للدولة فى بدايات ذكرى ثورة يناير كانت تقدم الأغانى الوطنية فقط، بعد ذلك كان التوجه هو أن تسمح بالأغانى العاطفية ثم صارت قبل ثلاثة أيام لا تضع على خريطتها سوى الأغانى العاطفية والمبهجة من الواضح أن الرسالة المضمَرة تقضى بضرورة التصدى لحالة الاستنفار التى يعيشها الشارع بالإنكار ولهذا فبينما نعوش الشهداء تخرج من جامع السيدة نفيسة وعمر مكرم نستمع إلى كاظم الساهر وهو يغنى «زيدينى عشقا زيدينى». الإعلام يعيش فى حالة بلادة عاطفية وهى أشد وطأة من البلادة العقلية. هناك بالفعل منظومة ترتدى ملامح إخوانية تسيطر على كل قطاعات الوطن. تعلن عن نفسها بغشومية منقطعة النظير. كان صفوت الشريف ومن بعده أنس الفقى ينفذان بالتأكيد أجندة النظام السابق كما تُملى عليهما وكلنا نذكر الملايين التى كانت تُنفق من أجل إدخال السرور على الرئيس العجوز فى احتفالات أكتوبر، حيث تأتى التعليمات واضحة «دلّعوا العريس». كل هذا وأكثر منه بالطبع كنا نتابعه ولكن كان لدى الإعلام شىء من الحرفية، يقدمون برنامجا مثل «البيت بيتك» يحاول أن يقترب من موجة الناس ومشكلاتهم كل ذلك كان يصب بالتأكيد فى صالح النظام المتهالك. نعم كانوا يلعبون مع المشاهدين لتمرير وتبرير كل أخطائهم فى لعبة حاولوا أن لا تكون مكشوفة فصدقها البعض كانوا فى الحد الأدنى لديهم دراية ما بأصول اللعبة، المنظومة هذه المرة بلا خبرة ولكنها اعتمدت على الولاء المباشر لعدد من اللاعبين الضعفاء. الإعلام الخارج عن الأخونة يلاحقونه بقضايا مباشرة تنضح بسذاجة مَن يقيّمها ويحرّكها والغرض المباشر هو أن يستمر هذا النظام الذى وضع أمامه هدفا واحدا هو التمكين وعدوا لا يرى غيره وهو الإعلام، يعتبرونها حربا إعلامية رغم أنها فى الحقيقة حرب معلومات ومصداقية. نعيش ثقافة الصورة والتوثيق فلا يمكن لأحد أن يتنكر لما قاله فى السابق ولا يستطيع أحد ادّعاء البطولة بينما تاريخه حافل بالتنازلات، وما ينطبق على النظام الحالى هو نفس ما يعانيه عدد من رموز جبهة الإبداع، تاريخهم يحفظه الجميع، ستفضحهم الصورة الموثقة.
الغضب فى الشارع تجاوز المعارضة وأصبح فى صراع حتمى مع النظام. نيران الغضب ضد ممارسات مرسى وحكومة قنديل لا يطفئها التقويم ولكن الإطاحة والإزاحة.
الذين يبحثون عن الحقيقة لن يجدوها فى استطلاع «بى بى سى» ولا «الحرة» ولا «الجزيرة» ولا فى محطات التليفزيون الخاصة والحكومية والدينية، فقط أمعنوا النظر فى الشارع الذى لن يرضى أبدا بهذا الاستنطاع!!