نقلا عن الوطن امام شركة الغاز، كانت الطوابير لا تنتهى، وأصوات صياح العملاء لا تهدأ، فاتجهت للاستعلامات وسألت عن تغيير ملكية العداد، فطلب منى التوجه لمكتب واحد، فقلت له دورى رقم كام، فقال دور إيه يا أستاذ الدور والزحمة للى ح يدفع فلوس، إنما انت ح تنقل العداد بس!. تعجبت من المنطق، لكن لم أتوقف كثيراً عند تعجبى، فليذهب المنطق إلى الجحيم، جلست أمام موظف شاب محترم سألنى عن الأوراق فمنحتها له، ثم أخرج استمارة من مكتبه وكتب فيها بعض البيانات. مرت دقيقتان وأنا أتابع مشهد معركة ساخنة بين رقمى 315 و316 على أيهما أحق بالدفع أولاً، فالأول كان معه تليفون عندما نودى على رقمه، ولما تأخر نودى على الرقم الذى بعده، ولما هم الثانى بالذهاب للموظف، كان الأول قد انتهى من المكالمة وأصر على أن يدفع هو أولاً. للأسف لم أنتظر كثيراً لأعرف نتيجة «الخناقة»، فقد أخبرنى الموظف أن العداد قد تم نقله باسمى، فلم أصدق، وطلبت منه دليلاً على ما يقول، فتعجب وقال: دليل إيه يا أستاذ العداد بقى باسم حضرتك، قلت له مش ماشى من هنا إلا ومعايا الدليل. فاقترح الموظف أن أدفع مبلغاً تحت حساب الفاتورة الجديدة، فقلت: أدفع مش مهم، المهم يكون معايا إيصال باسمى، فقال تمام اتفضل حضرتك اسحب رقم خزينة، ذهبت لموظف الاستعلام وطلبت منه رقماً للخزينة، فأعطانى رقم 735. وقفت أمام شركة المياه، وقلبى مقبوض، فكل من استشرتهم، بشرونى بأيام مريرة. كان المبنى عبارة عن أربعة طوابق، كل طابق فيه شقتان، وكل شقة فيها نحو ثلاث إدارات، توجهت للاستعلامات كان الرجل بديناً يتنفس بصعوبة بالغة، ولما سألته عن كيفية نقل العداد باسمى قال كلمة واحدة «الأستاذ عبدالله». خشيت أن أسأل أكثر فينفعل ويتوقف قلبه، وقلت: الحمد لله إنه رد علىّ، وبدأت مشوار البحث عن الأستاذ عبدالله، فدخلت أول شقة على اليمين وسألت عليه، فأشاروا لمكتب فى نهاية الممر، قلت له ما أريد، فنظر إلىّ بقرف شديد وقال انت عاوز عبدالله مين؟ أدركت أن هناك أكثر من موظف اسمهم عبدالله، فقلت له المسئول عن نقل العداد، فقال يبقى عبدالله أحمد شقة ستة، وهممت بالمغادرة، لكنه سألنى: انت فى الحى الكام، قلت: السابع، فقال لا انت تروح للأستاذ عبدالله عزمى شقة أربعة. قبل أن أغادر قلت له «سؤال محرج شوية»، هو حضرتك عبدالله إيه؟، فقال عبدالله بشاى، بتاع العدادات الجديدة، شكرته وغادرت متوجهاً للأستاذ عبدالله عزمى. كان مكتبه صغيراً، وبدا عليه الانشغال، سألته عن تغيير العداد، فقال: اتفضل أهلاً وسهلاً، بترحاب شديد ومريب، وسألنى إن كنت أريد شاياً أو قهوة، فلعب الفأر فى عبى، وأدركت أنى أمام موظف غير مثالى. قال: لا تقلق، أنا بنفسى سأنهى لك كل الإجراءات، ولن أتعبك على الإطلاق، للأسف الروتين هنا صعب جداً، لكن بعون الله ح أخلص لك كل حاجة وانت قاعد، فابتسمت وقلت: وأنا عينيا ليك يا أستاذ عبدالله. فقال: بس ح تجيب استمارة نقل ملكية من الدور الرابع، بعدها تنزل تعمل تقدير رسوم من الدور الأول، بعدين تدفع فى الخزنة فى الأرضى، وبعدين تيجى أخلص لك كل حاجة. قلت مبتسماً: هو حيكون فيه لسه حاجة تانية ممكن تتعمل؟، فابتسم وقال: طبعاً، ده انت المفروض تجيب مقايسة للعداد إذا كان شغال واللا لأ، وبعدين تعمل تصفية للعداد فى الحسابات والتصفية حتطلع بعد شهر، وبعدين تجيب موافقة من الجهاز إن مش عليك أى متأخرات قديمة، أو مخالفات مبان. فنظرت إليه بإعجاب شديد، وقلت: طب على إيه ده كله ما انت الخير والبركة، ولما عدت إليه، كان إيصال نقل الملكية قد انتهى، ثم نظر إلىّ منتظراً منى فعلاً معيناً. فوضعت يدى فى جيبى وأنا أنظر للورقة، وقلت له عشرة على عشرة يا أستاذ عبدالله، فوقف غاضباً وأمسك بالورقة من يدى وقال لا والله مش أقل من عشرين، فقلت له انت فهمتنى غلط، أنا قصدى الله ينور عليك، عموماً فيه عشرين جنيه وقعت من حضرتك وأنت قايم منفعل. عادت إليه الابتسامة، وجلس على مكتبه سعيداً منتصراً، سألته الإيصال هييجى باسمى إمتى؟، فقال الشهر الجاى، قلت طب وشهر التصفية، فقال تصفية إيه هو انت هتغير العداد، انت نقلت الملكية بس. بعد أشهر جاءنى محصل المياه، وطلب منى دفع استهلاك ستة شهور، فسألته: باسم عبدالفتاح؟ فقال لأ شركة دولسى!.