نقلا عن الوطن
لو كان فى التيار السلفى تطرف، فالفكر الأشعرى فيه تطرف هو الآخر، إذ مقابل غلو السلفيين، أسس الأشاعرة هم الآخرون إسلاماً من نوع خاص.
وصف الأشاعرة بالوسطيين كلام ليس صحيحاً، ولا حقيقياً.
بين الأشعرية والسلفية شبه كبير، والمشتركات أكبر، فلو ضيّقت السلفية الإسلام، فإن الأشعرية فعلت نفس الشىء، إضافة إلى أن الأشعرية أسست لإسلام سمعى نقلى، ورفضت العقل.
مثلها مثل السلفية، احتفلت الأشعرية بأقوال الصحابة والتابعين بلا جرأة ولا قدرة على الفحص، واعتمدت على النقل، وعلى كل ما وصل إلينا بالعنعنات بتسليم كامل، وتقديس هائل.
حوّل الأشاعرة الإسلام من عقيدة واسعة رحبة، إلى نصوص منقولة بالتواتر، تؤخذ كما هى، وتدّرس كما هى، وقف الأشاعرة ضد التطور المطلوب للدين، وقفوا ضد عقيدة عابرة للقارات والأزمان، كما أرادها الله.
وصلت الأمور إلى أن نفى الأشاعرة إرادة الإنسان، نفوا قدرته على الخير والشر. وعلت الأمور مع أبوحامد الغزالى، فنفى السببية، وأرجع نتائج الأفعال كاملة إلى إرادة الله، لا إلى سلوكيات الإنسان.
أوقفت الأشعرية الاعتقاد فى قوانين الدنيا، ومالت إلى أن كله مقدر ومكتوب، وأقر الأشاعرة قاعدة «إبطال العقل بالنقل»، وهى قاعدة عرجاء.
النقل هو التراث، بينما العقل هو طلب أحكام شرعية للمستجدات العصرية، بالاجتهاد، والنظر، والمقصود بالنظر هنا هو التفكير الإنسانى، حسب الظروف والمتغيرات.
فى كل العصور التى سيطر فيها الأشاعرة، وقفوا ضد محاولات الاجتهاد البشرى، ورفعوا السيوف ضد أى فكرة اجتهادية جديدة، لو خالفت اجتهادات المسلمين الأوائل!
ممكن تعتبر الأشعرية محاولة للعودة بالمستقبل، إلى الخلف، والعودة بالدين إلى الوراء.
السلفية هى الأخرى محاولة للرجوع بالحالى إلى الماضى، ومحاولة لربط المستقبل بما فات، لذلك فهناك فروق واضحة فى الأحكام، بين العقلانيين المجتهدين وبين الأشاعرة والسلفيين.
خذ مثالاً: يرى العقلانيون المسلمون أن الله منح العقل البشرى كل التراخيص للفحص والنقض، وإعادة تدوير المسلمات، اعتماداً على النص الأصلى (القرآن الكريم)، وفهمه مباشرة.
لا يعتمد العقلانيون المسلمون على ما نُقل من تفسيرات التابعين وتابعى التابعين، إلا بعد الفحص، والتيقن، بينما فى المقابل يصر الأشاعرة على أن الإنسان قاصر دائماً عن التوصل لمقاصد الدين، والغرض من التشريع!!
الإمام الغزالى مثلاً، وهو كبير الأشاعرة، يرى أن كل أعمال الإنسان مقدرة عليه سلفاً، يعنى مكتوبة، ليس لبنى آدم فيها يد، ولا له منها خلاص.
طيب، لو قدر الله علينا ذنباً لنفعله، فلمَ يعذبنا بذنوبنا يوم القيامة، إن كانوا صادقين؟!