نقلا عن موقع الوطن
لسنا بحاجة لاستعادة تفاصيل حادث ميكروباص المنيا، الذى أودى بحيوات طبيبات وحطم أحلام أسر، ولكنى بحاجة إلى استقرائه، فى ظل محاولة فهم كيف تتم إدارة الأمور والتعامل مع قاعدة العاملين فى منظومة وزارة من وزارات الدولة. أول رد فعل للسيدة الوزيرة كان تعويض أسر الراحلات برحلة حج وعمرة (دعك من أنها لم تكلف نفسها انتزاع ولو ساعة تطل بنفسها على كارثية الحالات) لكنها أيضاً لم تكلف نفسها حتى قراءة الأسماء لتكتشف أن واحدة من الشهيدات قبطية، يعنى قرار آلى روتينى، خال من أدنى درجات العناية الحقيقية، وكأنما المراد تسكين وضع وإسكات رأى عام. التعامل مع الطبيبات، اللائى هن جزء من قاعدة بناء المؤسسة الطبية باعتبارهن مجرد عبيد، ليس أمامهن غير الإذعان لأوامر تأتى بالواتس آ ب، إما التنفيذ وإما الاستعداد للنقل والشحططة، دعك من محتوى أن الأمر لم يراع أى بعد لا وظيفى ولا إنسانى، باعتبار أن الطبيبات «بشر» ولهن حيوات ومن حقهن تدبير أمورهن لكن القرار «الواتسابى»، يضعنا أمام مفهوم جديد للإدارة، «الإدارة بالواتس آب»، الذى هو يختلف حتى عن فكرة إرسال إيميل كما يحدث فى بلاد العالم اليوم، الإيميل وثيقة ووسيلة احترافية، معترف بها ويتم الاعتماد عليها، الواتس آب أداة تواصل شخصى وشتان ما بين الوسيلتين.. نأتى إلى المحتوى الذى يأمر الطبيبات، كده على بعض، بتنفيذ أمر التدريب دونما أى منطق، أولاً وزارة الصحة جاءت بطبيبات بنى سويف ليتدربن فى المنيا، وطلبت من طبيبات المنيا الحضور للقاهرة لتلقى التدريب، وهذا ما قالته واحدة من الطبيبات ضحايا الإدارة بالواتس آب، وهى راقدة على ظهرها! طيب حد يفهمنا أى منطق يحتكمون إليه؟ ما دمتم أرسلتم بمدرب إلى المنيا ليدرب طبيبات بنى سويف، ما المانع أن يذهب مدرب إلى بنى سويف وآخر إلى المنيا؟ وصف زوج واحدة من الضحايا أن التعامل مع الطبيبات كانت وراءه فكرة الإذعان.. أن تمتثل الطبيبات ويذعن، والحقيقة أنه بها ما هو أسوأ وما يستحق وصف «القهر» وليس مجرد الإذعان. عندما يقال إن جهة العمل لم تفكر فى تدبير وسيلة مواصلات للطبيبات، فى الحقيقة الأمر هنا لا ينبغى التعامل معه باعتباره «منة» أو فضلاً، وهنا أتساءل عندما تسافر السيدة الوزيرة فى مهمة داخل البلاد أو خارجها ألا يتم تدبير أمر انتقالاتها؟ طيب إذا كان المسئول الكبير يسافر خارج البلاد بدرجة رجال الأعمال مثلاً، ألا يكون من حق أفراد البنية الأساسية لمؤسسته أن يتم تدبير تذاكر انتقال ولو بالدرجة الثانية فى القطار أو يستأجرون لهم أوتوبيساً مثلاً؟ هل فكرة «الحقوق الوظيفية» تقتصر فقط على رؤوس الهرم الوظيفى؟ لا أتصور منظومة عمل وبيئة عمل لا تقر بأى حقوق إلا لقمة هرمها الوظيفى، يمكن أن تتوقع منها أن تعطى وتخدم بإخلاص. رحت أتصور شكل «المسئول» أو «المسئولة»، الذى أمسك بتليفونه، وفتح الواتس آب، وكتب الفرمان ثم أرسله، وهو يؤكد لنفسه أنه كده عمل اللى عليه!! هذه هى الإدارة بالواتس آب، إدارة الوهم!
لم أتطرق إلى المآخذ التى تحيط بالسيدة الوزيرة منذ بداية توليها، ولا تعرضت إلى ما يتعلق باستجواب مجلس الشعب لها، أنا فقط أحاول أن أستقرئ كيف تدار الأمور فى واحدة من أهم مؤسساتنا، كيف يتم النظر «لقلب» هذه المؤسسة ومحركها، باعتباره كتلة غير إنسانية على بعض، لا يوجد نظام حقيقى، مبنى على مدخلات فعلية تراعى لا الناس ولا الحقوق والواجبات وبالتالى لا مخرجات، كله تسديد خانات، هذا مقتل «الإدارة» المدنية.