نقلا من المصري اليوم
أعرف أن مقالاً مثل هذا مكروه، وأعلم مسبقا عاصفة الرفض التى ستهب على كاتب هذه السطور، وتتهمه بالنفاق، رغم أن التزلف يكون عادة لمن يملكون ناصية الأمر، والتعاطف مع سجين لا يجلب على صاحبه مصلحة، يغرم من الغرم، والسجين لا يملك من أمر نفسه شيئا.
أقول قولى هذا وأستميح كل من يطالع هذه السطور أن يتوقف مليا أمام قضية الشاب أحمد دومة المنظورة أمام عدالة المحكمة المجتمعية، هذه الكلمات تماماً بعيدة عن منصة القضاء، لا أمارى فى حكم القضاء، ومستقر فى أعماقى أنه لا تعليق على الأحكام القضائية، ولكن حالة السجـين أحمد دومة وجيله تستأهل توقفا مجتمعياً وتبيناً.
حملة الكراهية المستعرة التى يواجه بها دومة وجيله مجتمعياً آن لها أن تهدأ، الثورة هدأت، والعواطف بردت، والمصالح تحققت، وحصد من حصد، ولم يتبق سوى أن نفكر بعقل بارد فى مصير دومة وآخرين من الشباب ممن جرفهم الموج الثورى فسحبهـــم إلى الغريق، غرقوا فى اليم ونحن عنهم غافلون.
دومة وحيدا يواجه قدره، دومة لا ينتمى إلى حزب يحمل قضيته إلى الناس، ولا إلى جماعة تستقتل فى الدفاع عن قضيته، ولا تهتم بقضيته جمعيات حقوق الإنسان، دومة فى عرفهم قضية خاسرة، الإخوان الإرهابيون أقرب إليهم من دومة، ويضغطون للإفراج عنهم.
دومة لفته دوامة النسيان، وتخطته قرارات العفو الرئاسية، شاب وغلط، جرفته الحماسة الثورية بأمواجها العاتية، حمل على كتفيه اتهامات خطيرة بعنترية حمقاء غبية، واستدرجوه للاعتراف فضائيا بخطايا كلفته سنوات عمره الماضى وقد تكلفه بقية عمره، دومة حمل أوزار ثورة جيله، ويحمّلونه وجيله خطايا عصر مضى، ويعاقبونهم على الخروج يوم القعود، فلما خرجوا عن الطوع والإشارة كانت خضراء فرمتهم السيارة المسرعة، فما تبينوا فى الظلام كف أيديهم.
دومة وحيدا فى غيابات الجب، ولولا زوجته التى تبحث عن حريته، وتطارد بصيص أمل، وترنو إلى عفو رئاسى كالذى تسمع عنه، يقينا لما تذكره أحد، وصار ذكر اسمه يفتح باب الشيطان، يصورونه شيطانا رجيما، ومن يذكره فى عداد الشياطين، ومن يتعاطف معه من المرجفين، ذكر دومة يكلف كثيرا.
حالة دومة فيها عبرة لمن يعتبر، من كانوا يتمنونه ضيفا مكرما أنكروه، ومن تحمسوا يوما لحماسته وشجعوه لفظوه، صار وحيدا يجتر أحزانه ويلعق جراحه، ويقابل مصيره بطفولية حمقاء، نعم لا أحد يغير مصيره، ولكن هل كُتب على دومة وجيله أن يمضى شبابـه فـى السجن، يحـاسب علـى المشـاريب كلها.
السجن كاف لكبح الجماح، وهد الحيل، وكسر النفس، يحولك إلى شبح من عالم آخر، دومة كان أصدق من كل من ارتقوا السلم كذباً، لم يبع ولم يشترِ، ولم يتواصل مع الخارج وهو فى الداخل، ولم يتربح من الجمعيات الممولة، ولم يقبض الثمن بضاعة حاضرة، دومة صدق أن الثورة قايمة والكفاح دوار، وإذ نظر خلفه فلم يجد من الثوار إنسياً، صاروا كتابا ومنظرين ومفكرين وحصدوا الجوائز العالمية، صاروا أعلاماً ونسوه فى غيابات الجب.. هل جرم دومة أشد من جرائم آخرين لامعين الآن!!.
خلاصته، دومة ابن جيله، مثله متمردون بين ظهرانينا، يحتاجون إلى عطفة رئاسية، هذا جيل جُبل على الرفض، والمتحمسون منهم جُبلوا على الثورة، دومة شاب غرته بالأمانى الغرور، وتشوق إلى الأمانى العذاب، ماذا جنى دومة سوى الحسرة والألم فى سجنه؟ أظنه وعى الدرس!