نقلا عن - اليوم الجديد
◄ سياسة "الدكاكين" الإعلامية في مصر تستخف بعقل المشاهد.. وتعبر عن مصالح رأس المال وسياسة تقسيم المكاسب
أي استخفاف هذا الذي تمارسه القنوات التليفزيونية بعقول الناس، وهي التي تتشدق ليلا ونهارًا بأنها تعمل من أجل أن تقدم لمشاهديها "مادة طازجة" وجديدة دائما؟
الواقع أن هذا أصبح القاعدة حاليا وليس الاستثناء، والاستخفاف هنا له أساليب عديدة، من أول طرح قضايا بعيدة عن مصالحه واهتماماته مرورا بعرض مغالطات من شأنها التأثير على مواقفه، إلى الكذب عليه مباشرة، وهي وإن كانت ممارسات مرفوضة في العموم، إلا أنها من المفترض أن تكون محرمة في وسائل الإعلام.
لكن وسيلة أخرى من الاستخفاف اتبعتها قناة "dmc" العامة بشكل ساذج، وهي استضافة عدد محدود من الضيوف في كل برامج القناة، نجدهم في يوم في برنامج ما وبعد أيام قليلة في برنامج آخر، فيما يمكن أن نسميه "سياسة تدوير الضيوف"، وهي في الأصل طريقة يتبعها المدربون لإشراك كل اللاعبين في موسم واحد، الأساسي منهم والاحتياطي.
لكن القناة التي انطلقت رسميا في منصف يناير الماضي بعد حملات دعائية ضخمة، تفعل ذلك بشكل مبالغ فيه، لا تدري معه إن كانت على علم بما تفعله أم جاهلة، وفي الحالتين يبقى القائمون على إدارة القناة مخطئون بالطبع.
وقبل أن نتناول تحليلا لأسباب تلك السياسة، تعالوا نستعرض ما فعلته "dmc" منذ افتتاحها إلى الآن.
في البداية، نثبت الملاحظة المعروفة بالنسبة للقناة أن سياستها العامة هي الترفيه، وبغض النظر عن مناقشة هذه النقطة بعمق والحديث عن كيف يمكن أن يساهم ذلك في إلهاء الناس وتعويدهم على ثقافات معينة في المشاهدة والاستهلاك، سنكتفي بالقول إن القناة فشلت في اختبار الترفيه من حيث المضمون تحديدا وليس من حيث المعروض، بمعنى أن البرامج التي أعلنت عنها في حفل انطلاقها جذبت فضول الكثيرين لمشاهدة مادة ترفيهية متنوعة وجيدة في آن واحد، لكن ما حدث كان برامج متشابهة ونسخ مكررة على نفس الشاشة.
برامج الترفيه هذه كما نلاحظ تعتمد على نجم سينائي أو تليفزيوني يقدم برنامج ما يستضيف فيه نجم آخر، يحدثه لبعض الوقت ويسأله أسئلة خفيفة لا تناقش قضايا ولو فنية حتى، ثم ينتقل مع الضيف غلى تجسد مشاهد فنية معا، بجانب إسكتشات يقدمها المذيع بمفرده.
هذا هو الثابت من بعد نحو شهر من انطلاق القناة، لكن ما يحدث في سياسة الضيوف كان كارثة على إدارة قناة من المفترض أنها تسعى للتنوع.
سنبدأ مع برامج الترفيه التي تستحوذ على خريطة القناة كما قلنا.
في 27 يناير استضافت سالي شاهين السيناريست تامر حبيب في برنامجها "ده كلام"، وبعد 11 يوما فوجئنا بنفس الضيف مع شيرين عبد الوهاب في برنامجها "شيري ستوديو".
في 22 يناير استضاف برنامج "قعدة رجالة" الفنانة دينا الشربيني، وبعد نحو أسبوعين وجدنا نفس الضيفة في برنامج "شيري ستوديو" مع شيرين عبد الوهاب، وفي نفس الحلقة التي استضافت فيها تامر حبيب.
في 21 يناير ظهر الفنان حسن الرداد في برنامج "بيومي أفندي" الذي يقدمه الفنان بيومي فؤاد، وبعد أسبوع بالتحديد وجدناه مع الفنانة غادة عادل في برنامجها "تعشب شاي" حلقة 30 يناير.
في نفس هذه الحقلة استضافت غادة عادل مع حسن الرداد الفنان الكوميدي أحمد فتحي، وبعد 12 يوما وجدناه مع بيومي فؤاد في "بيومي أفندي" حلقة 11 فبراير.
في حلقة 25 يناير من "شيري ستوديو" كانت لافنانة الكوميدية شيماء سيف ضيفة على لابرنامج برفقة منة شلبي وحسام حبيب، وبعد أيام وجدناها مع عمرو يوسف ضيفة على آخر حلقة من برنامج أشرف عبد الباقي "عيش الليلة".
في يوم 25 يناير أيضا كان نجم الكوميديا سمير غانم ضيفا في الصباح على برنامج "8 الصبح"، وفي الرابع من فبراير كان نفس الضيف مع بيومي فؤاد في "بيومي أفندي".
هذا كوم والاستعانة بوجوه الشبكة من مذيعين ومحللين رياضيين كوم آخر، خذ عندك مثلا: في الأول من فبراير ظهر الفنان إياد نصار مع شيرين عبد الوهاب في "شيري ستوديو"، وهو نفس الفنان الذي يقدم برنامج "قعدة رجالة" على نفس القناة.
في الثاني من فبراير، ظهر اللاعبان المعتزلان أحمد حسن ومحمد بركات في برنامج "عيش الليلة" مع أشرف عبد الباقي، في نفس الوقت الذي يعملان فيه بتحليل وتقديم البرامنج الرياضية على قناة "dmc سبورت" التابعة لنفس الشبكة.
بركات نفسه ظهر هو والكابتن حسن شحاتة في 14 يناير مع أسامة كمال في برنامجه الرئيس على القناة" مساء "dmc "، وهما محللان في القناة الرياضية، وهو نفس الأمر الذي تكرر في البرنامج مع أحمد حسن وعبد الحليم علي وحمادة صدقي وذكريا ناصف وخالد بيبو، وجميعهم محللون في القناة الرياضية.
استسهال في الإعداد أم ماذا؟ هكذا سيتساءل المشاهد الذي سيلاحظ هذه الأمور، والواقع أن الإجابة يمكن أن تكون عند معدي برامج القناة إذا كانت الحالة فردية وغير مكررة، لكن تكرارها يبدو معه أن هذا سياسة عامة، أو -مع حسن النية- مشكلة عامة، تتعلق بالإفلاس الإعلامي في مصر.
كيف يمكن أن يكون هذا؟
من خلال نظرة سريعة على الواقع الإعلامي في مصر والذي يتحكم فيه "رأس المال" يمكن أن نقول أنه أصبح يشبه "الدكاكين" بالمعنى الحرفي، فهذه الوكالة الإعلانية تملك عدة دكاكين تستخدم فيها الضيوف والمذيعين كيفما تشاء، وما هو خارج عن هذه الوكالة سواء كضيف أو مذيع لا يمكن أن تجده في "دكان" تملكه وكالة أخرى.
هذه سياسة الكيانات الإعلامية حاليا، فـ"dmc" لها رجالها، ولا يمكن أن يسمح ملاكها، أي الوكالة الإعلانية، باستضافة وجوه أخرى تعمل مثلا في "أون". وهذه السياسة ليست من قبيل المنافسة والعداء في كل الأحيان، فبعض القنوات أو الشبكات تملكها وكالة إعلانية واحدة، أو رجل أعمال واحد، لكن ذلك يكون بمنهج "توزيع" المكاسب، على ما يبدو.
ربما يكون ذلك هو الجانب الخفي في القصة، أما بالنسبة للظاهر فلنتحدث عن العلاقات الشخصية التي تدفع مذيع لاستضافة فنان أو ضيف مقرب منه حتى لو ظهر على نفس القناة منذ أيام. وهي أيضا سياسة التنميط التي نعاني منها في مجالات عدة، وخصوصا الإعلام، وفي قنوات أخرى، فالوجوه هي نفس الوجوه لكنها تتنقل بين القنوات، ودليل ذلك هوجة الخبراء الإستراتيجيين المعروفة، لكن "dmc" هنا فعلت الشيء الغريب للغاية واستضافت نفس الوجوه على قناتها فقط.