نقلًا عن المصري اليوم
لا أعرف متى سنتخلص من هذا المنهج الذى شاع وراج فى بلادنا ومجتمعنا مؤخراً، والذى يجعل كل من يختلف معى فى الرأى فاسدا وعميلا وخائنا.. ويمنحنى أى خلاف فى الرأى الحق فى أن أشتم من اختلف معى وألعنه وأوجه له كل ما هو متاح من اتهامات وألصق به كل ما هو ممكن من فضائح.. وغالبا لا يبقى الأمر مقصورا فقط على أصحاب خلاف الرأى والرؤية والموقف والقناعات.. إنما تمتد دوائر الشيطان لتشمل أيضا كل من يؤيد أو يهاجم أحد طرفى الخلاف.. وعلى سبيل المثال هناك خلاف حاد يدور حاليا بين شركة بريزنتيشن، راعية اتحاد الكرة، وصاحبة حق بث مبارياته الكروية.. وأحمد شوبير الذى اتهم اتحاد الكرة بإهدار المال العام من أجل بريزنتيشن ومجاملتها.. ولم يعد ممكناً أن يبقى أى أحد على الحياد محتفظا بعقله والحق فى السؤال والتمهل والتأمل.. فالخناقة بدأت فى الشارع واستمرت، ولم يعد مسموحا لأحد بالبقاء فوق الرصيف.. لابد من النزول والمشاركة بكلمة أو رأى أو تعليق أو اتهام.. فإن اختار أحدهم أن يكون مع بريزنتيشن ويراها صاحبة الحق الوحيد فى نقل مباراتنا مع غانا.. فسيتهمه أنصار وأصدقاء شوبير ببيع الضمير والأخلاق والتنازل عن المبادئ من أجل مال بريزنتيشن وكرمها وشاشاتها.. وإن رأى أى أحد أن شوبير على حق فى اتهاماته وتعليقاته ومطالبه.. فسيصبح إما صاحب مصلحة مع شوبير أو أحد الذين لم يسعدهم الحظ للعمل مع بريزنتيشن.. كأنه من الصعب جدا أن ينتقد الإنسان أحمد شوبير دون أن يكون أحد موظفى بريزنتيشن أو حالما بذهبها وخائفا من سيفها.. أو صعب جدا أن ينتقد أى أحد شركة بريزنتيشن دون أن تربطه أى علاقة أو مصلحة مع أحمد شوبير أو ضاعت مصالحه مع الشركة.. وغالبا ننشغل كلنا بهذا الخلاف وحروبه الشخصية المشتعلة واتهاماته المنثورة فى كل الزوايا وننسى موضوع الخلاف نفسه وكيف يمكننا إصلاحه، فإن كانت هناك أخطاء نعالجها، وإن كان هناك فساد نواجهه ونقضى عليه.. فلم نعد نريد إصلاحا ومواجهة، وأصبحنا لا نطيق وجع التفكير وجهد البحث عن الحقيقة.. فترويج الاتهامات وتبادل الإهانات والشتائم أسهل وأحلى وأكثر إمتاعا.. وربما كان البلاغ الذى تقدم به اتحاد الكرة للنائب العام ضد أحمد شوبير هو أول خطوة صحيحة ولازمة طالما لم تعد المواجهة الهادئة ممكنة، ولم يعد مسموحا لأحد بطرح كل الأفكار والأوراق والاتفاقات والعقود بشكل محايد ورزين والإصغاء الجاد لكل الرؤى ووجهات النظر.. أقول ذلك وأعرف أن الحكاية كالعادة لن تكتمل ولن نعرف هل كان شوبير صاحب الحق أم بريزنتيشن.. وسيلتقى الطرفان سرا دون أن يعرف أحد بما جرى، لكن سيرى الناس بعد ذلك بريزنتيشن تشيد بأحمد شوبير وسنرى أحمد شوبير يشكر بريزنتيشن.. وسيكون مطلوبا منا أن ننسى كل ما تم تبادله من اتهامات أثناء زمن الاختلاف.. وسنعود لسابق حياتنا واهتماماتنا دون أن نعرف ما هى الحقيقة وأين كانت وإلى أين ذهبت.