أحمدناجي قمحة
نقلا من اتفرج
إنها حربب السادس من أكتوبر إنها معركة المجد والعزة والكرامة، إنها الحرب التي لعبت فيها كافة أفرع القوات المسلحة المصرية (الجوية، الدفاع الجوي، المشاة، البحرية، حرس الحدود) أبرع الأدوار في تناغم وتلاحم أذهل العالم وأفقد العدو عقله في 6 ساعات، إنها الحرب التي جاءت لتؤكد أن الإنسان المصري هو المعجزة، وأنه إستطاع فور تلقيه الهزيمة في 1967 أن يبدأ معجزته منذ معركة رأس العش وحتى العبور العظيم، إنها معجزة الإنسان المصري الذي سريعًا ما إستوعب أسباب الهزيمة وبدأ في الإعداد للنصر. ووراء هذه المعجزة تجمع كافة الكليات والمعاهد المتحصصة في العلوم العسكرية واستراتيجيات وخطط الحروب، أن القوات الجوية وقوات الدفاع الجوي كانت مفتاح السر والعامل الرئيسي لتحقيق المعجزة، وأنه ليس صحيحًا ما روجه البعض وعلى رأسهم هيكل إنتقامًا من شخص محمد حسني مبارك عقب يناير 2011 أن الأمر ينطوي على تضخيم كبير لأدوار لم تكن على هذا النحو وأن مجاملة فجة قد حدثت لمصلحة مبارك. إنها محاولات الأفاعي لتشويه التاريخ العسكري المصري، والذي لم يتوقف عند مبارك ذاته بل إمتد - من قبل فئة إعتادت أن تنسب كل النجاحات لآلهتها - ليمس السادات شخصيًا وكيلت له الإتهامات بأنه بلا رؤية، ووصل الأمر إلى محاولة تشبيه الأمر بأنه أجبر على إتخاذ قرار الحرب الذي لم يكن يرغبه أو يهدف إليه.
غاب عن هذه الفئة أن ناصر والسادات ومبارك أبناء القوات المسلحة المصرية، نتفق أو نختلف مع فترات حكمهم وتقييمنا لسياساتهم طبقًا للتوجهات الفكرية والأيديولوجية لكل مننا، إلا أن الثابت أن ناصر منذ قرر مرحلة الصمود وقع إختياره على أسماء بعينها تقود القوات المسلحة في معركتها، ومن هذه الأسماء يبرز اللواء محمد حسني مبارك واللواء محمد علي فهمي. وأن السادات مع توليه الحكم استمر معتمدًا عليهما بإعتبارهما يقدمان نموذجًا ولا أروع في قيادة فرعيهما، غاب عن لاطمي الخدود أن يتمتعوا بروح أكتوبر التي كثيرًا ما حاولوا إحباطها إبان أحرج فترات حكم السادات وذلك في السنوات الثلاثة الأولى لخكمه وقبل المعركة، جزء منهم مستمر في لعب هذا الدور حتى الآن، بث اليأس والإحباط والتشاؤم، إنها لعبتهم الدائمة في التاريخ المصري الحديث.
إنهم للأسف جزء من اليسار المصري وضعوا أنفسهم حلفاء للشيطان الأعظم الذي من المفترض أن يعادوه ممثلًا في الولايات المتحدة الأمريكية، ووصل بهم الأمر ألا يخجلوا من وضع أيديهم في أيدي اليمين الديني المتطرف متى كان الأمر متعلقًا بمصلحتهم الذاتية والشخصية. قطاع أثبتت التجربة العملية بعد يناير 2011، أنهم لا يتمتعوا بأية مهارات إضافية تفوق نظرائهم في المجتمع المصري، من وصل منهم إلى مناصب قيادية في مؤسساته يديرها بمنطق أسوأ بكثير من منطق من كانوا يعارضونه على مدى سنوات طويلة، التجربة العملية أثبتت أنهم يتشابهون مع اليمين الديني المتطرف في إدعاء المظلومية وأنهم لا يتمتعون بأية إضافات عبقرية يمكن أن تساهم في تطوير مؤسساتهم وأنهم لا يقلون نهمًا وشهوة في الثروة والمناصب عمن سبقوهم، يديرون علاقتهم بالدولة من خلال المؤامرات والضغوط واستعراض القوة لفرض إرادتهم على أغلبية لا تتفق وتوجهاتهم بل ويذهبون إلى تحدي الدولة في قرارات غاية في الخطورة محتمين بعباءة حقوق الإنسان التي وفرتها لهم أمهم أمريكا، بل وينتقد بعضهم التقارب المصري الشرقي مع روسيا والصين الأقرب لمنطلقاتهم الفكرية التي غربت عنها الشمس، تتعجب وأنت ترى البعض منهم يتباكى على حائط مبكى اليمين الديني المتطرف في رابعة والنهضة بل ويردد مقولاتهم.
إنه القطاع الذي لم ولن يتمتع بروح أكتوبر العظيمة، إنه القطاع الذي لم يفهم أن حسن إختيار القيادات بعد هزيمة 1967 من قبل عبد الناصر - الذي كثيرًا ما يحتمون به وبعباءته رغم أنه من إختار بطلا هذا المقال – كان من عوامل تحقيق النصر، إنه قطاع يضمر بداخله العداء للمؤسسة العسكرية، جاهر البعض منهم به عقب يناير 2011، ولكنه أمام وعي الشعب الدائم بدور جيشه الوطني قد كتم في نفسه إلى حين أن يتمكن من العودة لبث سمومه، إنه القطاع الذي لم يستوعب معجزة 1973 وكيف أنها قد تحققت في غفلة منه وأجبر حينها على الصمت كما هم مجبر عليه منذ يونيو 2013، غير أنهم عادوا في 1977 ويحاولون اليوم مجددًا تحين اليوم الذي يعودون فيه لتصدر المشهد بأحاديث مفوهة وخطابات عاطفية حنجورية يجيدونها دون قدرة على العمل الفعلي أو تحقيق الوعود والإنجازات.
فماذا عن العمل الفعلي في أكتوبر 1973؟ إنها البطولة التي ستظل مخلدة ومحفورة في التاريخ العسكري المصري للواءين محمد حسني مبارك ومحمد علي فهمي، واللذان رقيا لدرجة الفريق في إجتماع مجلس الشعب بتاريخ 24 فبراير 1974 ومنحا مع قيادات كثيرة في المؤسسة العسكرية وسام نجمة الشرف العسكرية تقديرًا لبطولات وتضحيات قدموها. فماذا قدم كلا منهما؟
اللواء محمد حسني مبارك، لم أجد أفضل مما هو موجود على صفحة المجموعة 73 مؤرخين لكي تعطي للرجل حقه، كان التخطيط لبدء حرب تحرير سيناء محددًا بعبور أعداد كبيرة من المشاة المصريين لقناه السويس والتمسك بشريط من الأرض في ساعات القتال الأولي حتى يتم إنشاء المعابر وعبور الاسلحه الثقيله والمسانده من دبابات ومدفعيه وايضا الدخائر والتعيينات، والتي قدر لها من 6 إلي 8 ساعات لإنشاء الجسور وبدء عبور الامدادات، وهو وقت يصل الي ثلث الوقت الذي قدرته القيادات الاسرائيليه والتي توقعت 12 الي 18 ساعه لاقامه الجسور، مما كان يعني أن الفرد المقاتل سيحارب بجسده مدرعات العدو و طيرانه المقاتل طوال تلك الفترة، وكان ذلك في حد ذاته عملا انتحاريا وليس عسكريا، فحوالي ستون ألف جنديًا و ضابطًا سيكونون في مواجهه 300 دبابة إسرائيليه وطيران العدو القاذف لمده 8 ساعات على أقل تقدير، بما يعني أن جزء كبيرًا من تلك القوات سيباد في ساعات القتال الأولى.
وحتى في وجود حائط الدفاع الجوي المصري للتصدي لطائرات العدو، فكان متوقعا أن يكثف العدو هجماته الجوية ضد مناطق عمل المشاة المصريين (رؤوس الجسور الأولية) بغرض تدمير تلك القوة، وهو ما ظهر عندما توصلت مصر إلي خطة الدفاع الاسرائيليه المسماة بالعبرية (شوفاح يونيم) وبالعربية (برج الحمام)، والتي قامت علي مبدأ هام جدًا ألا وهو تدمير قوة العبور المصرية بواسطة الطيران الإسرائيلي، ثم تطوير الهجوم بالاستيلاء على معدات العبور المصرية و تطوير الهجوم غرب القناة. فماذا أعد مبارك الذي استلم القوات الجوية مدمرة البنية من حيث المطارات وطائرات غير موجودة استهدف معظمها وهي واقفة على الأرض ومعنويات محطمة لجنود السلاح الأهم في المعركة؟
بدأ مبارك بإعادة المعنويات من خلال معركة الاستطلاع الجوي لمواقع العدو في سيناء، حيث ظهرت أهميه الاستطلاع بعد حرب 1967، فتم إنشاء رف استطلاع من طائرتين ميج 21 استطلاعية مزودة بكاميرات تصوير ورف استطلاع آخر من طائرتين سوخوي 7 وبعدد قليل من الطيارين، ثم توسع العمل في نواة الاستطلاع حتى تم إنشاء اللواء الجوي للاستطلاع رقم 123 بقيادة اللواء طيار سيد كامل عبد الوهاب عام 1971، والمكون من الأسراب (22 و 35 و 59) ليغطي كامل جبهة سيناء من الشمال للجنوب طوال وقت الإعداد للمعركة، كذلك كان هناك طائرات محدودة من طرازات اليوشن 28 وتي يو 16 وهليكوبتر مخصصه للاستطلاع البحري. وكذلك عدد محدود من طائرات الميج 25 المتقدمه جدا والتي يديرها افراد سوفيت في قاعده مرسي مطروح الجويه، وكان غير مسموح للمصريين للاطلاع علي صور تلك الطائرات الا لمره واحده وعدم الاحتفاظ بنسخه منها
من واجبنا أن نذكر بشيء من التفصيل المجهود الرائع عظيم الفائدة الذي قام به طياروا لواء الاستطلاع الجوي خاصة سربي الميج 21 و السوخوي 7، حيث قام طيارو الاستطلاع الجوي بتصوير كافة الأهداف المعادية الحيوية في سيناء بإستمرار حتي تكون آخر مواقع وتحركات العدو مرصودة،و رغم خطورة ذلك عل طياري الاستطلاع، إلا انهم نفذوا مهامهم ببطولة كبيرة وبخسائر أقل من أن تذكر، وذلك سهل على القيادة تحديد أفضل الأهداف لضربها في الضربة الجوية الأولى، وأيضًا سهل مهمة طياري القاذفات والقاذفات المقاتلة في أداء مهامهم في الهجوم و الضرب الأرضي بسرعة ودقة عالية جدًا، كما كان للمهندسين في قواتنا الجوية دور هام في تطوير الكاميرات ووسائل الاستطلاع في طائرات الاستطلاع المصرية روسية الصنع وإضافة كاميرات بديله للمعدات الروسية لهذه الطائرات، لكي تسهل عمليات التصوير الجوي و تزيد من دقة الصور، كما قام الطيارون بابتكار تكتيكات جديدة وفعاله جدا في عمليات التصوير الجوي للمواقع الإسرائيلية في سيناء خاصة عمليات تصوير مواقع الدفاع الجوي المعادية. حيث قام طيارو الاستطلاع الجوي بتصوير مواقع الدفاع الجوي الإسرائيلية في داخل سيناء، و تصوير مواقع ومناطق الشئون الإدارية للعدو وحصون خط بارليف في كل مراحل بناءها ومواقع تمركز القوات البرية والاحتياطي للعدو ومعسكراته ومواقع القيادة والسيطرة وتصوير مواقع الإعاقة والتشويش الالكتروني، كما قام الطيارون بتصوير مطارات العدو في سيناء ومواقع المدفعية بدقة عالية جدا. وغالبًا ما كانت طلعات طائرات الاستطلاع تقابل بالطائرات المعاديه وتنشب معارك جويه، لكن رجال لواء الاستطلاع الجوي استطاعوا رغم كل هذه المخاطر تنفيذ مهمتهم بنجاح كبير.
هذا المجهود الكبير من طياري الاستطلاع الجوي منذ عام 1967 مرورا بحرب الاستنزاف و حتى سنوات الإعداد للمعركة قبل حرب أكتوبر أدى إلى سهولة تحديد القيادة لأهم و أفضل الأهداف التي يمكن مهاجمتها و ضربها في الهجوم الجوي الافتتاحي لحرب أكتوبر، و أثمر مجهود الاستطلاع الجوي في تمييز الأهداف الحقيقية للعدو من الأهداف الهيكلية الخداعية بدقة كبيرة، ومن ثمار هذا الجهد الكبير دقة القصف المدفعي على هذه الأهداف بسرعة كبيرة جدا وفي وقت قليل جدا، وقد كانت كل قوات المشاة والصاعقة المصرية التي تعبر القناة تعلم بمنتهي الدقة كل تفاصيل المواقع المعادية في سيناء التي سيتم مهاجمتها والاشتباك معها بالصور الدقيقة التي تحوي أدق التفاصيل لهذه المواقع.
وظهر الخامس من أكتوبر، استدعى قائد القوات الجوية المصرية اللواء طيار محمد حسني مبارك قادة القوات الجوية المصرية (قادة الالوية الجوية) في اجتماع عاجل وسري جدًا، وبحضور كل من رئيس أركان القوات الجوية اللواء طيار محمد نبيه المسيري و رئيس شعبة العمليات اللواء طيار صلاح المناوي و رئيس فرع التخطيط اللواء طيار محمد شبانة، وأخبرهم بموعد الحرب و انها ستبدأ باكر يوم السبت 6 أكتوبر 1973 الساعة 2 ظهرًا، وألقى عليهم التلقين النهائي للعملية الهجومية الجوية المخطط لها، وشدد علي سرية الموعد، وأخبرهم بعدم الافصاح عن الموعد لأي أحد على الاطلاق الا من خلال جدول معين لتبليغ كل قائد سرب، حفاظًا على السرية لآخر لحظة، ثم اتجه القادة للتوقيع على خرائط العمليات الخاصه بكل لواء جوي.
قام كل قائد سرب بتلقين طياريه المهمه المباشرة بالهدف الرئيسي والهدف التبادلي لكل قائد تشكيل وكل طائرة، وكان التلقين معروفًا للطيارين منذ اشهر، فقد تدربوا وفقًا لمجهود لواء الإستطلاع على قصف أهداف معينة في مواقع معينة، وقاموا بمشاهدة صور الهدف وتدربوا علي مجسمات مماثلة في تبات اطلاق الذخيرة الحية، فلم يكن التلقين لهم سوى التأكيد الأخير على مجهود ست سنوات مضت.
وطغي التركيز والرغبة في الانتقام من العدو فوق الاحساس العارم بالفرح والنشوة من قرار الحرب، ورغم ذلك كان بداخل كل طيار شك من ان الحرب ستقوم فعلًا، فقد تكرر هذا المشهد في خريف 1972، وفي مايو 1973، وفي النهايه تعود الطائرات إلى الدشم مرة أخرى، لكن هذا الشك انتهي وتبخر فور اقلاع الطائرات، فهذه المرة هي الحرب.
خططت القياده بأن يكون الهجوم في موجات متتالية، وبعض المؤرخين والخبراء اطلقوا على موجات الهجوم لفظ نسق هجومي، والتي كانت حسب الخطة:
1- النسق الأول: التامين: بقوة حوالي 90 طائرة مقاتلة و مقاتلة قاذفة و قاذفات ثقيلة بغرض تدمير و شل فعالية مواقع الدفاع الجوي الهوك و تدمير محطات الرادار و مراكز القيادة للعدو، حيث كان الهدف اغلاق اعين واذن العدو ودفاعه الجوي.
2- النسق الثاني: القوة الضاربة: بقوة حوالي 90 طائرة مقاتلة و مقاتلة قاذفة و قاذفات ثقيلة بغرض ضرب و تدمير و شل المطارات و مراكز الإعاقة و الحرب الالكترونية و الإرسال و مواقع كتائب المدفعية بعيدة المدى و ضرب النقطة الحصينة شرق منطقة بورفؤاد.
3- النسق الثالث: التعزيز: بقوة حوالي 40 طائرة مقاتلة لتعزيز النسق الأول و الثاني في أعمال القتال الجوي و منع العدو الجوي من التدخل أثناء أداء المهام القتالية، وهي طائراتنا المقاتله المخصصه للقتال الجوي من اسراب القتال والتي كلفت بعمل مظلات في مناطق اقتراب طائرات العدو المتوقعة.
تم توزيع خرائط العمليات السرية على كل التشكيلات في وقتها في مظاريف مغلقة، وقد كانت الطائرات معدة ومسلحة و مجهزة للعملية الهجومية الجوية داخل الدشم، وحظائر الطائرات الحصينة وبأسماء قادة التشكيلات الجوية وكل الخرائط جاهزة، وكل تشكيل جوي معه صور دقيقة للهدف الذي سيقوم بالهجوم عليه وضربه.
وقرب الساعة 2.00 ظهرًا يوم السادس من أكتوبر 1973، انطلقت حوالي 200 طائره حربيه مصريه و20 طائرة عراقيه من طراز هوكر هنتر من حوالي 20 مطارًا وقاعدة جوية مصرية على ارتفاع منخفض جدا لضرب الأهداف المعادية الاسرائيلية المحددة لها في داخل سيناء المحتلة، وأهداف خط بارليف الحصين، وتحركت الطائرات في صمت لاسلكي تام على ارض مطاراتها وحتى الإقلاع والطيران لأهدافها، لتجنب أي عمليات تصنت معادية يمكن أن تكشف الهجوم المصري.
وتجمعت التشكيلات في شكل أسراب، والأسراب تجمعت مع بعضها البعض في تنسيق كبير جدا في اماكن مختارة وتوقيت محدد بدقة، لكي تتجه لأهدافها وسط غابه من صواريخ الدفاع الجوي التي صمتت تحية لنسور مصر المتجهين لبدء الحرب. وفي مسارات رسمت بعناية تامة، بدأت الطائرات في المرور وسط تجمعات الجيوش المصرية متجهة لسيناء، ورافعة معنويات الجنود على الأرض.
وكان للواء القاذفات الثقيلة من طراز تي يو 16، الشرف في إطلاق اول صاروخ على العدو إيذانًا ببدء الحرب، فكان أول هدف تم ضربه و تدميره بالصواريخ بعيدة المدى الموجهة بالإشعاع الراداري، هو مركز القيادة الرئيسي للعدو في منطقة أم مرجم، حيث تم ضربه إيذانًا بإفتتاح الحرب بصاروخ منطلق من قاذفة ثقيلة من طراز TU-16 KS من مسافة بعيدة جدا فوق منطقة التل الكبير في منطقة الإسماعيلية غرب القناة، وقبل أن تعبر الطائرات المصرية لأهدافها في سيناء، كان مركز أم مرجم قد تم اصابته.
وطارت أسراب المقاتلات القاذفة والقاذفات المتوسطة والثقيلة في حماية لصيقه من أسراب مقاتلات الميج 21، وقد استخدمت في الضربة التي تركزت على الأهداف الإسرائيلية الحيوية في عمق سيناء وخط بارليف كل الطائرات المتاحه من طراز ميج 17 و ميج 21 و سوخوي 7 و قاذفات ثقيلة من نوع تي يو 16 و اليوشن 28 و طائرات الهوكر هنتر العراقية،
و في الساعة 2.30 ظهرًا تقريبًا، عادت الطائرات المصرية جميعها بعد أداء مهمتها خلال ممرات جوية محددة و مدروسة بدقه تم الاتفاق عليها بين قيادة القوات الجوية وقيادة الدفاع الجوى من حيث الوقت والارتفاع والاتجاهات، حيث كان الدفاع الجوي المصري وقتها ينتظر عودة الطائرات المصرية ليبدأ هو دورة في الحرب.
وقد نجحت الضربة الجوية في تحقيق المفاجأة للعدو الإسرائيلي، وتدمير أهدافها المحددة بنسبة تزيد عن 90 % ولم تزد الخسائر على 5 طائرات مصرية على أكثر تقدير، بنسبة خسائر لا تزيد على 4 % من 220 طائرة، و كانت نتائج الضربة وفقا لما ورد في المراجع الموثوق منها هي؛ ضرب و شل ثلاثة ممرات رئيسية في 3 مطارات هم المليز وبير تمادا ورأس نصراني بالإضافة إلى 3 ممرات فرعية في نفس المطارات، وقامت تشكيلات جوية من طائرات الميج 17 بإسكات حوالي 10 مواقع بطاريات صواريخ أرض - جو من طراز هوك للدفاع الجوي في مناطق الرمانة والطاسه وبالوظه وأم الرخم بجوار عيون موسى، وتم أيضًا ضرب موقعي مدفعية ميدان، وتدمير مركز القيادة الرئيسي في منطقة أم مرجم ومركز الإعاقة والشوشرة في منطقه أم خشيب وأم مخسه، وتدمير عدد من مراكز الإرسال الرئيسية ومواقع الرادار، كما تم ضرب 3 مواقع شئون إداريه للعدو ومواقع حصون خط برليف القوية وضرب مواقع في أم لحفن و بير العبد أيضا بالقاذفات الثقيلة، وتم ضرب محطة سيطرة وإعاقة وتوجيه في منطقة رأس نصراني. وقد احتلت تشكيلات من المقاتلات الاعتراضية من طراز ميج 21 مواقع مظلات دفاع جوي مخطط لها فوق سماء مصر أثناء الضربة الجوية توقعا لأي هجوم مضاد جوي معادي، وكان لمبدأ الحشد والتركيز أثره الفعال في الضربة، ظهر في نتائج التدمير العالية التي تحققت على كافة الأهداف التي هوجمت. كما اشترك في هذه الضربة الجوية الأولى السرب العراقي الذي وصل من العراق في أول عام 1973، بطائرات من طراز (هوكر هانتر) المقاتلة، وقد انطلق هذا السرب من مطار قويسنا حيث كان تمركزه في بداية الحرب، وضرب مواقع صواريخ دفاع جوي هوك ومواقع مدفعية ميدان.
استمرت هذه الضربة الجوية المركزة حوالي 30 دقيقه تقريبا، ولم تواجه الطائرات المصرية المهاجمة أية مقاومه أو إعاقه تذكر من الطيران الإسرائيلي المعادي سوى مواجهات بسيطة مع الدفاع الجوي المعادي في مواقع أخرى سقطت فيها طائرتين سوخوي 7، إحداهما طائره الشهيد النقيب عاطف السادات فوق مطار المليز.
وكان من المقرر القيام بضربة جوية ثانية ضد العدو يوم السادس من أكتوبر قبل الغروب بقليل، ولكن نظرًا لنجاح الضربة الأولى في تحقيق أهدافها بالكامل، قررت القيادة العامة للقوات المسلحة إلغاء الضربة الثانية لعدم الحاجة إليها، ولتوفير القوة الجوية والاقتصاد فيها قدر الإمكان وهو مبدأ صحيح في العلم العسكري، وإتضحت جدواه في معركة المنصورة الجوية أعظم المعارك الجوية في التاريخ والتي تعد ذكراها في الرابع عشر من أكتوبر عيد القوات الجوية المصرية.
حققت الضربة الجوية والقوات الجوية كامل خططتها التي وضعها قائدها محمد حسني مبارك، وبتنسيق كامل مع قوات الدفاع الجوي المصري، الأمر الذي تم التدريب عليه لعمل مفاجأة قويه وكاملة للعدو الإسرائيلي. ولهذا أكتب، لمصر قبل الأشخاص، للشخصية المصرية والإنسان المصري قبل المناصب، للمقاتل المصري في البر والبحر والجو. لصناع المعجزة من المصريين، لا تلتفتوا للبكائين المغرضين محترفي تزوير التاريخ. هم يرغبونكم بلا هوية، هم يرغبون أن يفقدوكم الثقة في قواتكم المسلحة، وأكررها أنتم صناع المعجزة في ست سنوات، وأنتم قادرون على تكرارها لو تمتعتم بروح أكتوبر القائمة على أنه من الإنكسار نصنع الإبهار بإرادتنا.