نقلا عن المصري اليوم
أمرنا القرآن الكريم بالتسابق إلى فعل الخير، فقال سبحانه وتعالى: «فاستبقوا الخيرات»، وعمل بذلك رسول الله، صلى الله عليه وسلم، طوال حياته وفى كل أحواله، واقتدى به الصحابة الكرام، رضوان الله عليهم، فى سلوكهم، فهذا أبوبكر الصديق، رضى الله عنه، كان سباقا وحريصا على أن يكون له سهم فى كل وجوه الخير، وقد سأل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أصحابه يوما فقال لهم: «من أصبح منكم اليوم صائما؟»، قال أبوبكر: أنا يا رسول الله. قال صلى الله عليه وسلم: «فمن تبع منكم اليوم جنازة؟»، قال أبوبكر: أنا يا رسول الله. قال صلى الله عليه وسلم: «فمن أطعم منكم اليوم مسكينا؟»، قال أبوبكر: أنا يا رسول الله. قال صلى الله عليه وسلم: «فمن عاد منكم اليوم مريضا؟»، قال أبوبكر: أنا يا رسول الله. فقال صلى الله عليه وسلم: «ما اجتمعن فى امرئ إلا دخل الجنة». وكان أبوبكر الصديق وعمر بن الخطاب من أشد المتنافسين على هذه الأعمال العظيمة التى يلقى صاحبها الخير الكبير والثواب الكثير فى الدنيا والآخرة.. فحينما طلب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من الصحابة أن يتصدقوا، فقال عمر رضى الله عنه: (ووافق ذلك عندى مالاً فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يومًا، فجئت بنصف مالى، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «ما أبقيت لأهلك؟» قلت: مثله. وأتى أبوبكر بكل ما عنده، فقال: «يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك؟» فقال: أبقيت لهم الله ورسوله. عندئذ قال عمر: لا أسبقه إلى شىء أبدًا). وفى يوم آخر يستمع الرجلان- أبوبكر وعمر- إلى ثناء الرسول، صلى الله عليه وسلم، على قراءة ابن مسعود: «من سرّه أن يقرأ القرآن غضًّا كما أُنزل فليقرأه من ابن أم عبد». فبادر عمر ليلاً لينقل البُشرى لابن مسعود، فقال ابن مسعود: ما جاء بك هذه الساعة؟ قال عمر: جئت لأبشرك بما قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال ابن مسعود: قد سبقك أبوبكر رضى الله عنه. قال عمر: إن يفعل فإنه سباق بالخيرات، ما استبقنا خيرًا قط إلا سبقنا إليه أبوبكر. وفرق كبير بين هذه المنافسة المحمودة فى أمر الآخرة، وبين المنافسة فى حطام الدنيا ومتاعها الفانى، وهذا الذى حذر منه النبى، صلى الله عليه وسلم، حين قال: «فأبشروا وأمِّلوا ما يسركم، فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على مَن كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم». وأثناء خلافة سيدنا أبى بكر الصديق كان عمر بن الخطاب يراقب ما يفعله سيدنا أبوبكر الصديق حتى يأتى بضعف ما يفعل، حتى ينال الخير ويسبقه إلى أعلى مراتب الجنة.. وفى أحد الأيام كان عمر يراقب أبا بكر الصديق فى وقت الفجر، وشد انتباهه أن أبا بكر يخرج إلى أطراف المدينة بعد صلاة الفجر ويمر بكوخ صغير ويدخل به لساعات ثم ينصرف لبيته.. وهو لا يعلم ما بداخل البيت ولا يدرى ما يفعله أبوبكر الصديق داخل هذا البيت لأن عمر يعرف كل ما يفعله أبوبكر الصديق من خير إلا ما كان من أمر هذا البيت الذى لا يعلم عمر سره!!، مرت الأيام ومازال خليفة المؤمنين أبوبكر الصديق يزور هذا البيت ومازال عمر لا يعرف ماذا يفعل الصديق داخله إلى أن قرر عمر بن الخطاب دخول البيت بعد خروج أبى بكر منه ليشاهد بعينه ما بداخله وليعرف ماذا يفعل فيه الصديق بعد صلاة الفجر!!، وحينما دخل عمر هذا الكوخ الصغير وجد سيدة عجوزا لا تقوى على الحركة كما أنها عمياء العينين ولم يجد شيئا آخر فى هذا البيت فاستغرب ابن الخطاب مما شاهد، وأراد أن يعرف ما سر علاقة الصديق بهذه العجوز العمياء، فسأل عمر العجوز: ماذا يفعل هذا الرجل عندكم؟ (يقصد أبا بكر الصديق)، فأجابت العجوز وقالت: والله لا أعلم يا بنى، فهذا الرجل يأتى كل صباح وينظف لى البيت ويكنسه، ومن ثم يعد لى الطعام وينصرف دون أن يكلمنى. جثم عمر بن الخطاب على ركبتيه وأجهشت عيناه بالدموع، وقال عبارته المشهورة: «لقد أتعبت الخلفاء من بعدك يا أبا بكر».