نقلا عن المصري اليوم
هكذا ولما كانت الليلة الخامسة بعد المائتين من ليالى ألف ليلة، لصاحبتها الدولة الجديدة وصديقها الجديد مليونير الحديد، وفى هدوء ودون مقاومة فى «الحرملك» ولا «السلاملك»، تم تدشين نظام إعلام رياضى احتكارى جديد بإعلان إذاعة مباريات الدورى المحلى على قناة تليفزيونية واحدة هى «أون تى ڤى»، ليسدل الستار- مؤقتاً- على الصراع الطويل والمرير بين الدولة وتليفزيونها الرسمى من جهة، والشركات والقنوات الاحتكارية من جهة أخرى، والتى حاولت طوال أكثر من خمسة عشر عاماً الضغط للحصول على حصرية إذاعة المباريات وشراء حق إذاعة البطولات المحلية بمبالغ خرافية، ولكن دائماً ما كانت تفشل أمام إصرار النظام الحاكم السابق على رفض احتكارية المنتج الرياضى وطرحه لجميع القنوات الرسمية والخاصة دون تمييز.
وقد عاصرت عن قرب كيف كانت القنوات الخاصة تتحد وتتوحد على قلب واحد لتحارب وتقاوم وتشهر، إذا لزم الأمر، بأى محطة أو شركة تسعى لشراء الحقوق وحدها مثل (إيه آر تى)، والجزيرة الرياضية (قبل أن تتحول إلى بى إن سبورت)، فدائماً كان هناك من يخطط ويتربص لاحتكار إذاعة الدورى المحلى لما يتمتع به من شعبية وجماهيرية ومشاهدة عالية، وهو أمر كانت تدركه الدولة لذا لم تفرط فيه باعتبارها صاحبة شارة البث الحى، حيث أعطى القانون لاتحاد الإذاعة والتليفزيون وحده الحق فى منح ومنع شارة البث المباشر، ومن ثم لا تقدر أى قناة أو شركة تشترى الحقوق من الأندية أو اتحاد الكرة أن تذيع إلا بعد موافقة التليفزيون، وهو قانون مازال قائما إلا أن الدولة هى التى رفعت يدها فجأة.
والسؤال: لماذا كانت الدولة حريصة على أن تقبض بيديها على حقوق إذاعة المباريات؟ ولماذا رفعت يدها الآن؟
الإجابة على السؤال الأول سهلة وبسيطة
أولاً: نظام مبارك كان يدرك ويقدر أهمية الكرة عند الشعب، كونها تخفف عنه هموم الحياة ومشاغلها، كما أنها وسيلة «لطيفة ومسلية» لإلهائه وقت الأزمات الطاحنة التى يمر بها الوطن، وكان يدرك أيضاً أن خروج هذا المنتج من تحت سيطرته سيفقد قنوات التليفزيون الرسمى أهميتها، فهى الخيط الوحيد الذى يربط الناس بالجهاز الإعلامى للدولة، وإذا طارت منه المباريات لم يعد هناك ما يدفع الناس لمشاهدة القنوات الرسمية بعد أن تم مسخ برامجها وإفشالها بشكل مزرٍ ومتعمد ليفسح المجال للقنوات الخاصة لتملأ المساحة التى تركها التليفزيون عن طيب خاطر، بل وشارك فى بناء تلك القنوات بكوادره وخبراته والأرشيف المسروق من مكتبته- للأسف.
ثانياً: كانت دولة مبارك تدرك أن إعطاء شارة بث المباريات لقناة أو شركة واحدة (كما هو الحال الآن) سيُغضب باقى القنوات الخاصة، فالدورى يحصل على أعلى نسبة مشاهدة، وأغلب القنوات تسعى لعرضه حتى ولو تكبدت خسائر، حيث ستضمن فى المقابل وجود المشاهد على القناة، ما يساعدها على بيع البرامج الأخرى والبقاء فى سوق المنافسة الفضائية.
أما الإجابة عن السؤال الثانى: لماذا رفعت الدولة يدها الآن ووافقت على احتكار إذاعة الدورى من قبل شركة «إعلام المصريين» وقناتها أون تى ڤى الرياضية؟ ورغم أننى أملك الشجاعة ولا أخشى فى الحق لومة لائم أو غضب مسؤول، ولكننى لا أملك الدليل على السبب الحقيقى لتحيز الدولة لتلك الشركة دون غيرها، ولكن الأكيد أن الدولة لها أسبابها(؟) والقنوات التى كانت تهيج وتثور فى عهد مبارك وتظهر اليوم خانعة صامتة (لخوفها من أسباب الدولة الخفية)، المؤكد أن جميعهم تواطأوا لغض البصر عن الحالة الاحتكارية التى منحت لتلك الشركة، حيث لم تكتف باحتكار البث المباشر للمباريات، بل ترفض بيع حقوق الملخصات للقنوات الأخرى حتى تظل هى القبلة التى يتجه صوبها كل من يريد متابعة مباريات الدورى.
وأخرج «فاصل» وأعود بالقانون لأتحدث عن الاحتكار، أتحدث عن القانون المصرى رقم ٣ لسنة ٢٠٠٥، الخاص بحماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية. حيث نص فى مادته الثامنة الفقرة (ب): «يحظر على من تكون له السيطرة على سوق معينة القيام بما يأتى: الامتناع عن الاتفاق أو التعاقد على المنتجات (السلع والخدمات) مع أى شخص، أو وقف التعامل معه على نحو يؤدى للحد من حريته فى دخول السوق أو البقاء فيها أو الخروج منها فى أى وقت».
وإذا طبقنا هذا النص على حالة بيع الدورى المصرى فإن «شركة إعلام المصريين» اشترت المنتج من الأندية عن طريق «بريزينتيشن» (إحدى شركاتها)، واحتكرت عرض المنتج على قنواتها فقط ولم تعرضه للبيع على باقى القنوات، وهذا فعل احتكارى كان يستلزم تدخل الدولة عن طريق التليفزيون الرسمى، الذى كان من قبل يرفض إعطاء شارة البث للمباريات إذا ثبت لديه أن هناك حالة احتكارية أو أن المنتج لم يعرض بالعدل والشفافية على جميع القنوات.
وهنا سيخرج أحد المدافعين عن الاحتكار ويقول إن العالم يبيع حصريا، وإن قناة «بى إن سبورت» تحتكر العديد من البطولات الأفريقية والأوروبية، والرد أن هذا المنتج مصرى، وأن قانون الدولة المصرية، إذا كان هناك من يتذكره، يمنع الاحتكار، ولم يذكر القانون أى حالات استثنائية لأى سلعة أو خدمة، ما يعنى أن منتج كرة القدم يسرى عليه هذا القانون.
ولكن بغض النظر عن مثالية الزعم بمقاومة الاحتكار أو رومانسية التذكير بالقانون- فالذكرى تنفع المؤمنين- على الدولة وهى تغض الطرف عن هذه الحالة الاحتكارية- لغرض فى نفس يعقوب، وأوراق لعب تلقيها من تحت الترابيزة- على الدولة أن تدرك ما يلى:
أولاً: لا توجد ضمانة أن ينجح إعلامها الجديد فى أن يملأ الفراغ لدى المشاهد ويقنعه ويجذبه إلى القنوات المدعومة بعرض الدورى المحلى دون غيرها، ومن ثم سيظل هذا الرهان محفوفا بالمخاطر!
ثانياً: سن هذه القاعدة الاحتكارية سيفتح المجال فى الموسم القادم لقنوات احتكارية أخرى مصرية أو خليجية أو أجنبية لشراء الدورى، وستدخل الأندية طرفاً أصيلاً، فالأهلى والزمالك والأندية التى أعطت حقوق بث المباريات بسعر بخس لـ«بريزينتيشن» بما يقرب من ١٢٠ مليون جنيه، والتى باعته الموسم الماضى بـ٢١٥ مليون جنيه وحققت مكاسب خيالية، لن تكون لقمة سهلة فى المرة القادمة، وستسعى هى لبيعها للأعلى سعراً، فالبيع الحصرى أغلى عشرات الأضعاف، وهو ما قد يرفع سعر الدورى لما يقرب من مليار جنيه، إذا دخلت إحدى القنوات الرياضية الخليجية لشرائه، وسيفلت الزمام تماما من أيديكم.
ثالثاً: الأكيد أن مباركة الدولة هذا العمل الاحتكارى ستُغضب القنوات الفضائية الخاصة والعاملين فيها لسببين: الأول الإحساس الذى تسرب إليها بأنها غير مرغوب فيها، وأن القنوات الجديدة والملاك الجدد هم أصحاب الحظوة. والثانى أن الاحتكار سيضر بالعاملين فى البرامج الرياضية بتلك القنوات، والغضب قد يولد الحقد والغل، وقد يدفع تلك القنوات وأصحابها لرفع يدهم عن دعم النظام فى تلك المرحلة التى تحتاج من الجميع أن يتضافروا ويتعاونوا حتى تمر الدولة من عثرتها ويثبت النظام الجديد أقدامه.
رابعاً: القول إن احتكار إذاعة المباريات على قناة واحدة سيحرم باقى القنوات من التواجد على الساحة الرياضية وسيقتل برامجها كلام خطأ، بدليل أن المشاهد يتابع مباريات الفرق المصرية فى البطولة الأفريقية على قناة «بى إن سبورت»، ثم يذهب جالساً بالساعات ليتابع ردود الأفعال والتصريحات والحوارات على القنوات المصرية التى لم تذع المباراة.
■ ■ ■
شركة «إعلام المصريين» وقناتها أون تى ڤى الرياضية، والتى أبارك لها انطلاقها، وأدعو للقائمين عليها بالتوفيق، أتمنى أن يتسع صدرها وتسمح لى بأن أبدى دهشتى وتعجبى من أن تكون البداية بإذاعة السوبر الإماراتى، وهو حدث رغم سعادتى باستضافة مصر له ولأشقائنا الإماراتيين الأوفياء والمخلصين والمحبين، إلا أنه يبقى حدثا خليجيا ولا يليق أن تبدأ به قناة مصرية اللهم إلا إذا كانت تدشن لنوع جديد من الإعلام المختلط!
■ ■ ■
إلى الذين استفزهم حديثى عن قناة الأهلى من القائمين على أمر النادى، رغم أننى كنت أنبه من باب الحرص وليس من باب التربص، أصحح لهم خطأ وقع فى برنامج شوبير، عندما ذكر أن الأستاذ عماد وحيد لم يدل بتصريح يقول فيه إن قناة الأهلى ستحاكى القنوات الأوروبية، وهو التصريح الذى انتقدته لأنه جاء من رجل مسؤول عن واقع غير صحيح جملة وتفصيلاً، ولأننى أملك من سعة الصدر الكثير فى حالة الاختلاف فى الرأى وأملك شجاعة مواجهة الأكاذيب، فإن التصريح الذى انتقدته خرج من المركز الإعلامى ووُزع على جميع الصحف والمواقع من الإيميل الرسمى للنادى يوم الثلاثاء الموافق ٦ سبتمبر، فى تمام الساعة الواحدة والربع. هذه هى الحقيقة.
نأتى للكلام المهم.. وهو قناة الأهلى، والتى كان من المخطط لها أن تعبّر عن دولة الأهلى الحديثة، وتكسر قيود عبادة الأفراد أو الإدارات، وتربط الجماهير بالكيان وليس الأشخاص، وأن تستخدم أدوات الإعلام وكاميراته وأفكاره وتقاريره المصورة فى إقناع الجماهير بقضايا النادى العادلة، وأن تكون وسيلة لزيادة رقعة المنتمين للنادى، ولكن ما يحدث على أرض الواقع شىء مغاير تماما.. فإلى جانب الحرية المنقوصة للقناة، حيث الشركة التى تديرها هى نفسها الشركة التى تدير اتحاد الكرة، وهو الكلام الذى أفضنا الحديث عنه الأسبوع الماضى، هناك أشياء أخرى.
أولاً: أبجديات بناء أى قناة أو وسيلة إعلامية تقوم على فلسفة وأهداف عريضة تضعها الإدارة وتترجمها إلى برنامج عمل، ثم تختار الكوادر القادرة على التنفيذ، ولكن الواقع يقول إن إدارة الاستثمار، التى يتولاها الأستاذ «عماد وحيد»، تعاقدت مع شركة «بريزينتيشن» باعتبارها الخيار السهل أو المتاح، ولم تجتهد فى البحث عن شركة إدارة محترفة ولها سابق خبرة فى هذا العمل تنفذ رؤيتها، وهذا ما يظهر فى الحالة الارتجالية، فبعد مرور شهرين من التعاقد لم توضع خريطة برامجية جديدة ومبتكرة، بل المفاجأة أن كل البرامج التى طُرحت للتنفيذ لإنقاذ ماء الوجه هى إعادة لإنتاج برامج قديمة(!)، فأين الابتكار، وكيف يُصنع إعلام الدولة الجديدة باستدعاء برامج قديمة؟
ثانياً: لم أكن أتخيل أن الشللية ستتحكم فى اختيارات العاملين بهذه الفجاجة، والمفاجأة أن كل الكوادر التى طلب رئيس النادى الاستعانة بها تم استبعادها، حتى شادى محمد، كابتن فريق الأهلى، ومقدم البرنامج اليومى فى القناة قبل إغلاقها، وهو المذيع الوحيد الذى اشترطت الإدارة بقاءه، يرفض هانى أبوريدة، رئيس اتحاد الكرة، بورسعيدى الأصل والمنشأ، يرفض ظهوره لأنه انتقده بشدة وقت إشرافه على المنتخب.. تخيلوا رئيس الأهلى يطلب وإدارة القناة تماطل!!.. إذا كانت هذه البداية فكيف ستكون المسيرة وإلى أين النهاية؟ (سيتغير الحال بمجرد الكشف عن هذه المعلومات).
ثالثاً: أغلب المرشحين للعمل لا ينتمون للأهلى، بل ينتمون إلى شلل ترتبط بالولاء للشركة وتخدم لدى رئيس اتحاد الكرة، وبعضهم يدين بالولاء لإدارات سابقة، لكن اللافت أن معظمهم وجّه لإدارة الأهلى الحالية إهانات بالغة ومسيئة، وقناعتى أن هؤلاء بهذه المقدمات ليس لديهم الإيمان أو الانتماء أو الرغبة فى العمل لإنجاح القناة بقدر الحرص على السبوبة.
ومن وجهة نظرى فإن إدارة الأهلى لاتزال لديها فرصة، ليس لمراجعة العقد أو فسخه مع الشركة- فهذا الأمر سيقع لا محالة فى المستقبل- ولكن من حق إدارة الأهلى، وهى الأحرص على مصلحة النادى وجماهيره، أن تطلب من شركة «بريزينتيشن» خريطة برامجية كاملة فيها أفكار البرامج وديكورها ومعدوها ومقدموها وحلقات تجريبية من كل برنامج، وأن تلجأ لمتخصصين ومحترفين لتقييم ما سيظهر على الشاشة وألا تترك نفسها للحالة العشوائية والارتجالية والمحسوبية التى يدار بها مستقبل الأهلى الإعلامى، فالقناة من المفترض أن تكون تجسيدا للأهلى فى ثوبه الجديد، وليس صورة ممسوخة لا حصّلت القديم ولا حققت الجديد.