نقلا عن المصري اليوم
صدّقت وصدّق معى الكثيرون أننا جادون بالفعل فى محاربة الفساد وكشف الحقائق، واعتمدت على مناشدة كبار المسؤولين لنا الإبلاغ عن أى فساد وكشفه، بل مطاردته.. وصدّقت أيضاً أننا ساعون وبحق للتطهير والتنظيف ومحاولة البدء فى إعادة البناء على أسس سليمة لإعادة مصر إلى سابق عهدها من الانتصارات والبطولات والمنافسة الشريفة.. وصدقت أيضاً أن كل ما سنقوله أو نكتبه سيكون محل اهتمام وتحقيق وعناية من المسؤولين بالدولة.. كما صدقت أننا بكشفنا للفساد ومساعدتنا للدولة سنكون قد أسدينا لها أكبر خدمة.
وأن مصر على حد قول الرئيس السيسى فى حاجة ماسة إلى كل جنيه فى ظل هذه الظروف الصعبة التى تعيشها البلاد.. وما جعلنى أصدق أكثر هو أن سيادة الرئيس فى ثلاث مناسبات متتالية فى أقل من أسبوع ركز على ضرب الفساد واقتلاعه من جذوره وألا يخاف أحد من كشف كل مناحى الفساد فى أى مجال ومكان. وبدأت حملة مدوية على الفساد والفاسدين، كانت أولاها فى مدينة المحلة، وكشفت بالأدلة والمستندات عن فاسد كبير تربّح الملايين بمساعدة بعض المسؤولين من نادى غزل المحلة، وانتظرت أن يلقى هذا الفاسد جزاءه عن طريق المحاكمة العادلة.. ومرت الأيام والشهور ولايزال هذا الفاسد حراً طليقاً فى بيته، بل يخطط من جديد للعودة إلى ألاعيبه وإلى عمولاته وسيطرته من جديد بمساعدة عدد من الفاسدين. وكشفت من قبل عن لعبة المراهنات وغسيل الأموال التى أدخلوا مصر فيها، فوجدنا مباريات نفوز فيها بالـ10/ 0، ودورات وهمية، وتوقعت أن تتم محاسبة المسؤول عن ذلك، خاصة أن الصور والدلائل والبراهين كانت تشير إليه بوضوح، إلا أن أحداً لم يتحرك، واكتفوا ببلاغ كأن لم يكن للتستر على هذا الفساد. ثم عدت من جديد وكشفت عن فضيحة استقدام حكام من شرق آسيا فى إطار صفقة غسيل أموال وقدمت أيضاً الأدلة والبراهين لإدارة الشباب والرياضة، التى كررت ما فعلته فى سابقة المراهنات، وانتظرت طويلاً ولكن يبدو أن انتظارى سيطول أكثر وأكثر وتم دفن الواقعتين دون أن يدرى أحد لماذا.. ثم عدت من جديد لأكشف عن وقائع فساد هذه المرة بالأدلة والمستندات والأحكام، وانتظرت أن يتحرك المسؤولون لاسترداد أموالهم والتحقق مما جاء فيها، إلا أننى فوجئت بأن الأمر لا يعنى أحداً على الإطلاق، وأن ما على إلا أن أضرب رأسى فى الحائط لعله ينزف دماً حزناً وألماً على هذه الملايين المهدرة من حق أولادنا بفعل فاعل معلوم للجميع ويعيش برعاية وتدليل ممن هم أكبر منه، يساندونه ويساعدونه بمزيد من الفساد، وبخاصة أننا مقبلون على انتخابات اتحاد الكرة المصرى، ويبدو أن هؤلاء سيكون لهم الدور الأكبر فى إدارة الاتحاد وإدارة أمواله التى زادت بشكل كبير فى الفترة الماضية، رغم كل ما قدمناه من مستندات، وكل ما تم إيضاحه للرأى العام وللمسؤولين، ولكن كالعادة دون جدوى.. بل الغريب أن بعض الزملاء من الإعلاميين بدأوا توجيه سهام النقد والاتهام لنا بحجة أن ما يحدث ما هو إلا تصفية للحسابات، وأنا بالفعل أريد تصفية الحسابات.
تصفية حسابات البنوك مع هؤلاء الذين استولوا على أموال البلد والوطن وهرّبوها إلى خارج الديار مستمتعين بها، وتصفية حسابات مع هؤلاء الذين يستفيدون يوميا من أماكنهم وادعائهم بأن لهم علاقات مع الكبار فى البلد تعطيهم الحماية وتساعدهم على فعل أى شىء حتى لو كان الاستيلاء على المال العام.. وتصفية الحسابات مع من يريدون أن يحولوا اتحاد كرة القدم إلى عزبة خاصة يديرونها لمصلحتهم وأهوائهم عن طريق بعض من رجالهم لتدر عليهم أموالا ثابتة يوميا دون أن يدرى أحد.. هذه هى تصفية الحسابات التى نتمنى أن نراها داخل كل مرفق رياضى فى مصر إذا أردنا أن نعود مرة أخرى إلى طريق منضبط وسليم يعيد لنا الأمل فى الانتصارات.
أيضاً يبدو أنه بالفعل كان يجب أن نأتى بطبلة ورِق ومزمار لنشارك فى الحفل الصاخب بفوز مصر حتى الآن بميداليتين برونزيتين بالدورة الأولمبية، وأن نقدم المبررات ونلتمس الأعذار ونشيد بإنجازات من لعبوا هناك ولم يحققوا أى شىء، وأن نوهم الناس ومن قبلهم نوهم المسؤولين الكبار بأن ما حدث فى ريو دى جانيرو من البعثة المصرية هو إنجاز يصل إلى حد الإعجاز، وأن رَفْع عَلم غير العلم المصرى فى طابور الافتتاح ليس عيباً بل هو وسيلة لدعم العلاقات مع الشعوب الأخرى، وأن نسيان إدارى وضع علم بلاده على بدلة الجودو الخاصة بلاعبه فى المنافسات ما هو إلا سهو نتيجة الحماس الزائد الذى جعلنا نخسر بنتيجة 101 /0 فى هذا اللقاء، وأن مخالفة لاعب الجودو إسلام الشهابى كل قواعد الرياضة بعد هزيمته أمام لاعب إسرائيلى ما هى إلا فروسية ونبل وانتصار لمعركة الكرامة ضد الإسرائيليين، لذلك وجب علينا أن نستقبله استقبال الفاتحين فى مصر لأنه عاد لمصر بهذا التصرف العظيم، الذى أدى إلى إصدار اللجنة الأوليمبية الدولية بياناً يدين فيه مصر، كما أنه كان لزاما علينا أن نقول إن العيش بدون قانون للرياضة وتعطيل الانتخابات فى الأندية ومراكز الشباب ما هو إلا نصر كبير للرياضة المصرية التى تعيش فى أزهى أيامها، والدليل أن دولة مثل الكويت الشقيق حققت ميدالية ذهبية، وأن دولا صغيرة مثل فيتنام وبورتريكو واوزبكستان وكازاخستان وكوسوفو حققت فى سنوات قليلة ما لم تحققه مصر- بكل أسف- رغم تاريخها العريض فى هذا الأولمبياد، ولا أحد يريد أن يصدق أن رصيدنا من الميداليات أصبح يتناقص يوما بعد يوم ودورة تلو الأخرى، ومع ذلك يريدون منا أن نشارك فى الاحتفال المهيب بهذا الفوز الغالى الذى لا يمكننى إلا أن أشيد بأبطاله سارة سمير ومحمد إيهاب، وأنحنى احتراماً لهما، فلولاهما حتى الآن ما ظهر اسم مصر فى جدول الميداليات الأوليمبية، رغم أنه مازال لدى أمل فى بعض الرياضيين المصريين فى إحراز ميداليات أخرى، وإن كان أملاً باهتاً، ولكنى سأظل متمسكاً به..
وسؤالى: لماذا تتقدم الرياضة بالدول الصغيرة المحيطة بنا بهذا التطور الرهيب وتتأخر لدينا بهذا المعدل الرهيب؟ ولماذا حافظوا فى جامايكا على يوسين بولت ليصبح بطلاً للمرة الثالثة بالأولمبياد مهدياً بلاده الميداليات الذهبية؟ ولماذا فرطنا فى مصر فى كرم جابر حتى خرج ولم يعد من المعادلة الأوليمبية؟ ولماذا نجحت حتى إسرائيل فى الارتفاع برياضة الجودو حتى أصبح لاعبها يهزمنا 100 /0، بينما نحن مازلنا نبرر ونعلل أن لاعبنا كان مصاباً، وهى نفس الحجج والمبررات الرسمية التى نستعملها مع كل هزيمة.. أَمَا آن الأوان أن نتوقف عن هذا الهزل وأن نبدأ وبحق فى إعادة سياستنا من جديد ومحاولة البدء على أسس علمية محترمة لنبحث لماذا خرج كل لاعبينا من رياضات الرماية والمصارعة والجودو وألعاب القوى وهى اللعبات التى كنا نحلم بتحقيق ميداليات بها ولكننا خرجنا أصفاراً من هذه الألعاب؟.. وهل فكر أحد فى عدد من الخبراء الأجانب الذين يقبضون رواتبهم بالعملة الصعبة من الخزانة المصرية فى الوقت الذى تعانى فيه البلاد من أزمة مالية طاحنة؟.. وهل فكر أحد فى العملة الصعبة التى يتم دفعها لعدد من اللاعبين والمدربين فى مصر ولم يأتوا بجديد، بل العكس كان صحيحاً عندما تسببوا فى خسائر وتراجع نتائج الأندية مثل الأهلى والزمالك والمنتخب وعدد من الأندية، ومع ذلك مازلنا مصممين على الإبقاء عليهم والدفع لهم بالعملة الصعبة وعندما ننبه ونتحدث ونقول إن «اللى يعوزه البيت يحرم على الجامع» تجد البعض يكيل لنا الهجوم وكأننا نتحدث عن دولة غير الدولة التى نعيش بها؟!
فيما يبدو أنه أصبح لزاما علىّ أن أغيّر من سياستى وطريقتى، لأنه فعلا «مفيش فايدة»، وأن الأفضل أن نسير «مع الزيطة» وأن نحمل اللافتات التى تشيد بهذه الإنجازات غير المسبوقة، والتى لم تحدث قط فى تاريخ الرياضة المصرية ولن تحدث بعد.