كتبت- رنا احمد
يقتصر مفهوم «كرة الشاطيء الطائرة» لمن لا يسمع عنها كرياضة دولية من قبل، على حدود ذكريات أيام الصيف، على شواطيء أحد المصايف حيث تقضي الأسرة وقتا ممتعا، بينما يلتقط الأبناء الكرة ويمدون حبلا بين عارضتين على الشاطيء، لتبدأ مباراة الكرة الطائرة على الرمال، وسط أجواء من المتعة والعشوائية، دون حسابات أو قوانين صحيحة، فقط كل ما يميزها ملابس المصيف التي تفرض أجواءً مخلتفة غير أي رياضة معتادة عرفناها بزي تقليدي، فلأنها كرة شاطيء كان من المنطقي أن تلعب بـ«المايوه والبكيني»، بديهيًا.
ذاع صيت اللعبة في البرازيل وأوروبا وأصبحت من أهم الرياضات الرسمية في العالم والتي تتأهل لها منتخبات من دول مختلفة لتشارك في بطولات دولية، آخرها أولمبياد ريو دي جانيرو هذا العام، وأعتمد زيها الرسمي بنفس الأجواء التي كنا نمارسها عفويا على شواطنا في الصيف كأطفال، «المايوه والبكيني».
كان ذلك عام 1993، عندما اعتمدت اللجنة الأولمبية اللعبة رسميًا، ومن وقتها اعتاد جمهورها على لاعبيها بـ«المايوه والبكيني»، إلا أن أمرا له علاقة بمباديء الأولمبياد ذاتها المتمثلة في ضرورة خلق أجواء من الألفة بين شعوب العالم على اختلاف عاداتها وثقافاتها، دفع لجنة الأولمبياد لمغازلة دول الشرق الأوسط، العربية والإسلامية منها تحديدًا، تلك التي قد تمنعها عاداتها من الظهور بـ«البكيني» في فرعها النسائي، بأن تسمح منذ عام 2012 بارتداء ملابس طويلة الأكمام خلال الأولمبياد.
في مصر، كانت هناك فتاة «محجبة» تنتظر فرصة كتلك، لم يتجاوز عمرها عقدين، إلا أن طموحها الذي أثار إهتمام أغلب الصحف العالمية فيما بعد كشف عن فتاة أكبر من عمرها بكثير، في مشاركة هي الأولى لدولتها في اللعبة، وبالمثل هي الأولى لها، وبـ«الحجاب»، لتغير ما اعتادت عيون الجماهير عليه طيلة سنوات مضت، وتقسم المشهد لنصف دون أن تقصد ذلك، أحدهما بـ«البكيني»، والآخر بـ«الحجاب»، لتحقق مبدأ الأولمبياد بحذافيرة كما وصفته صحيفة «آس» الإسبانية تمامًا: «أولمبياد ريو تعطينا فرصة مشاهدة تلك اللقطات، ثقافتان مختلفتان تستمتعان بنفس الرياضة، هذا ما تفعله بنا الأولمبياد».
دعاء الغباشي، 19 عامًا، ظهرت في مباراة مصر الأولى بحماس غير عادي، خطف أضواء الكاميرات، كأول فتاة مع رفيقتها تمثل اسم مصر في لعبة كتلك من جانب، وبـ«الحجاب» من جانب آخر، وكأنها تبحث عن إثبات حضور من نوع مختلف، لأنها وكما تروي في معرض حديثها لصحيفة «تليجراف»: «ارتديه منذ ما يقرب من 10 سنوات، ولم أر يوما أنه سيكون حائلا بيني وبين ممارسة أي شيء أحبه، كلعبة كرة الشاطيء الطائرة».
رسمت كل هذه التحديدات مجتمعة على وجه دعاء، فما كان من المصورين إلا أن صنعوا من ملامحها نجمة، بغض النظر عن خسارة منتخبنا مرتين متاليتين، الأولى أمام ألمانيا، والثانية أمام إيطاليا، لما تحمله من إصرارٍ وتحدٍ واضح في تعبيراتها، دفع سفارة دولة ألمانيا لتوجيه لشكر لها ولزميلتها قائلة على صفحتها الرسمية على موقع «فيسبوك»: «قد يكون الفريق المصري خسر المباراة، إلا أن هاتان الشابتان قد قدمتا أداءً رائعاً ومشرفاً، هذا ما يهم وليس ما يرتدونه.. شجع أبطال مصر».
كما أرغم الجمهور بعد نهاية مباراة مصر مع إيطاليا، للتصفيق بشدة للفتيات والوقوف موجهين لهن التحية في قلب ريو دي جانيرو، في وداع أخير أراد العالم أن يمنحه للمصريات، وعلى رأسهم «فتاة الحجاب»، وكأنهم يبعثون لها رسالة بأن هدفها -الأهم من المكسب- قد تحقق، بأن الحماس والإرادة والروح هم انتصار الرياضة الحقيقي، وأن أولمبياد كتلك تأسست ليجتمع شتات الأرض، وتتماهى الحدود، وتزول الفوارق، والعداوت، أيا كانت، ليجتمع في كادر واحد «البكيني والحجاب»، وفي كادر واحد أيضا جتمعت دعاء في «سيلفي» مع جمهور من مختلف دول العالم منحها التحية وكل التقدير.