نقلا عن المصري اليوم
«لن نكون (روبنسون كروزو)، الذى استعمر جزيرته بعد أن تحطمت سفينته، بل سنكون (ماركو بولو) الذى ارتحل ليكتشف العالم»، يتناسب المعنى السابق ليكون عنوانا لتلك الجلسة التى جمعت أساتذة وزملاء أفاضل من وسائل إعلام مختلفة، للحديث حول مشروع قانون الإعلام الموحد، الدعوة التى جاءت من النادى الإعلامى التابع لمعهد الحوار المصرى الدنماركى كان هدفها قراءة وتحليل ومشاركة آراء أبناء المهنة «صحفيين وإعلاميين» فى شأن المشروع الذى دار حوله لغط كبير، فى ظل بيئة معادية بالأساس للصحافة والإعلام، تكرست بانتظام عبر شهور من خلال أبواق الموالاة، مع ممارسات إعلامية خاطئة لم يفلت منها معسكر دون آخر سواء كان على هذا الطرف أو ذاك، فشيطنت الصحافة و«تأبلس» الإعلام من الرأى العام بشكل أو بآخر.
تراوح الحديث بين الواقعية فيما يخص جدارة المشروع فى ظل الظرف الحالى وبين الإحساس بأنه ليس كافيا لينعم المجتمع بحرية الرأى والتعبير، فى حين تشارك الجميع فى أن مشروع لجنة الخمسين حاول التعبير عن رغبات الجماعة الصحفية والإعلامية فى إنفاذ قانون متوازن يعطى العاملين فى المهنة حقوقهم، ويحافظ فى الوقت نفسه على حقوق المجتمع والمواطنين، مع إيراد ملاحظات من بعض الحضور- كاتب السطور منهم- عن إغفال عالم الصحافة الرقمية واستهدافه فقط بنصوص تفرض قيودا عليه، بدءا من رأس المال والتراخيص حتى إتاحة المواد على الهواتف الذكية، والتزام رؤية من الماضى لا تلتفت للتغيرات التكنولوجية وعالم ما بعد الصحافة المطبوعة، وسيادة المحتوى المرئى على الإنترنت فى مواجهة التليفزيونات، فشادى سرور، أحد أصحاب القنوات على «يوتيوب»، يتحرك فى المراكز العشرة الأولى فى عدد المشاهدات على مستوى مصر، متخطيا وسائل إعلام تنتج آلاف الساعات سنويا، فـ«سرور» ومَن هو مثله مطلوب منهم بعد القانون إجراءات مجحفة ليمنح ترخيصا لمزاولة نشاطه على الشبكة الدولية..!!
الجهد الذى بذله زملاء أعزاء- أعضاء لجنة الخمسين- طوال أكثر من عام لوضع ذلك المشروع علينا أن نسانده وندعو المجلس الأعلى للصحافة ونقابة الصحفيين لدعمه والوقوف وراءه وأمام محاولات تغييره، مع إضافة ملاحظات مهنية أخرى تتعلق بالممارسة وتغير عالم إنتاج المحتوى، لنصل إلى مشروع يحقق للمجتمع سعيه للحرية والسيادة الوطنية أيضا، ويمنح الوطن قانونا يخلق حالة من الحيوية والتجدد بعد سنوات من نصوص سلطوية تأخرت بمصر كثيرا ووضعتنا فى الصف مع دول مغلقة شمولية تكره الحرية وتنتصر للقيد والقهر.
سيكون المشروع فى حال إقراره من البرلمان إما نقطة سوداء فى سجل هؤلاء الصحفيين الذين التحقوا بالمجلس أو صفحة بيضاء فى تاريخهم دون النظر تحت الأقدام أو معاونة رغبة عارمة فى التحكم، فستؤكلون غدا إن لم تكونوا على المائدة اليوم، ونفس الأمر ينطبق على نواب البرلمان الذين أقسموا على حماية الوطن والمواطنين، فمصر لن تكون دولة محترمة فى ظل نص ماضوى يسعى للسيطرة.
الصحفيون والإعلاميون يخدمون الحقيقة، ولن تكون هناك حقيقة دون انضباط يتوازن بين الحرية والمسؤولية، فلا نحمل ريشا فوق الرؤوس ولا نمتلك حصانة على أبناء وطننا، نحن فقط نسعى لمهنتنا بقواعد وشروط، أولها شفافية ونهايتها حق، لن تفلح سلطة تعادى الإعلام حتى وإن ظنت أنها الوسيلة المثلى، ولن يفلت مجتمع من واقعه المتراجع إلا بحرية الرأى والتعبير، ولن تنضبط مهنة إلا بالتزام المعايير.
الخلاصة أن الجميع فى اختبار من أجل حق المواطن فى المعرفة، فإذا انتصرنا لهذا الحق وجدنا سببا آخر لمسألة نكتب عنها ولا نجدها، اسمها «تقدم»، كثيرا ما نتداولها، لكننا لم نعرف معناها ولن نعرف إذا تحجرت العقول وانفصلت عن الواقع وكرهت المستقبل..!!