بلاد كثيرة زرتها وأقمت فيها وأحببتها.. لكن تبقى إيطاليا هى البلد الأول والحب الأول والأكبر والأجمل أيضا.. وينعكس ذلك بالطبع على كل ما هو إيطالى.. الطعام والثياب والسينما والموسيقى ومفردات اللغة.. وأيضا كرة القدم.. وقد كنت أحب المنتخب الإيطالى وأفرح بأى انتصار له أو بطولة مثل أى أحد، حتى كنت فى إيطاليا يوما، وبالتحديد فى جزيرة صقلية فى بداية التسعينيات، وأطلت الجلوس مع عاشق عجوز وقديم لكرة القدم على شاطئ بحر باليرمو فى جزيرة صقلية.. وحكى لى هذا العجوز عن علاقة الإيطاليين بكرة القدم وغرامهم أو جنونهم بها.. حكايات كثيرة تشرح كيف أصبحت كرة القدم مرآة لإيطاليا بكل أسرارها وتناقضاتها وجمالها وفسادها أيضا.. فكل ما عاشته إيطاليا من أحداث ووقائع وحكايات وانتصارات وجرائم ونجاحات وهزائم موجود فى ملعب كرة القدم.. ومنذ ذلك التاريخ أصبحت أحب الكرة الإيطالية أكثر وأجمل، وليس لمجرد نتيجة حبى لإيطاليا وأهلها.. كان العجوز أيضا يتحدث عن مونديال 1990، الذى استضافته إيطاليا ولم تفز به.. ولم تكن خسارة الكأس هو ما أزعج العجوز وكثيرا من الطليان.. إنما كان أن ألمانيا هى التى فازت فى النهاية بكأس العالم فى النهائى الذى استضافته المدينة الجميلة والساحرة روما.. لم يكن السبب أن الإيطاليين يكرهون الألمان إلى هذا الحد.. ولكن لأنهم يرون ألمانيا متفوقة عليهم فى كل شىء إلا الفن والطعام وكرة القدم.. وأصبحوا يرون ذلك منتهى العدل بعيدا عن منطق عدالة السماء التى رآها الراحل الجميل محمود بكر تهبط على أرض ملعب باليرمو حين احتسب الحكم ضربة جزاء لمصلحة مصر ضد هولندا فى نفس تلك البطولة.. وهكذا استسلم الإيطاليون لفكرة أن الألمان يتفوقون عليهم فى صناعاتهم ومنتجاتهم ونظامهم وفلاسفتهم وسياراتهم واقتصادهم.. لكن يبقى الإيطاليون هم الأقوى والأجمل فى ثيابهم وموسيقاهم وجنونهم وطعامهم.. وفى كرة القدم أيضا.. حتى إن ألمانيا منذ أن بدأت تلعب كرة القدم لم تنجح أبدا فى أى مرة فى الفوز على المنتخب الإيطالى..
ممكن أن تفوز ألمانيا بكأس العالم أو كأس أوروبا، لكنها لا تفوز على إيطاليا أبدا.. حتى وهى تفوز بالمونديال على أرض إيطاليا، إلا أنها لم تفز على إيطاليا.. وبقى هذا القانون دائما حتى أمس الأول، حين فازت ألمانيا على إيطاليا لأول مرة فى التاريخ فى دور الثمانية لأمم أوروبا.. ونتيجة ذلك أدرك بالطبع حجم فرحة الألمان بأول انتصار رسمى لهم على الإيطاليين.. وأيضا حجم الحزن الإيطالى بعد هذه الهزيمة.. وإذا كنت مضطرا للاعتراف بهذه الهزيمة الأولى لإيطاليا أمام ألمانيا.. فإننى لن أكون مشجعا مصريا تقليديا يحاول إفساد فرحة الألمان بالحديث عن تاريخ طويل لهزائمهم أمام الطليان.. لكننى سأبقى أحب إيطاليا.. وأشجعها.. وأراها صاحبة الكرة الجميلة حتى لو خرجت أمس الأول من أمم أوروبا.. ستبقى إيطاليا هى سيدة الكرة الأوروبية، وستبقى كرة القدم هى إيطاليا الجميلة والمجنونة والحالمة والغاضبة حتى لو فاز الألمان. نقلاا عن المصري اليوم