نقلًا عن المصري اليوم
شغلنى ذلك المشهد الذى رأيت فيه مواطنين مصريين يهللون على مقهى بعد أن قتل محمد رمضان بطل مسلسل «الأسطورة» قاتل أخيه، الانتصار لفعل القتل بل التهليل لمرتكبه صدمنى، فهذه النفوس ماذا تحمل بين جنبيها؟، هل لديها قلوب؟، أم أن ما حدث مجرد هروب من الظلم الواقع عليها إلى مساحة للتعويض قام بها «الأسطورة» لإنهاء ما رآه ظلماً فى حقه وحق عائلته، الرغبة والسعى إلى العنف بدا فى تلك الوجوه السعيدة المبتسمة التى انفعلت واقعياً مثلما تفعل فى مباريات الكرة، فمن هؤلاء؟، بماذا يفكرون؟، بماذا يؤمنون؟، كيف ينظرون إلى واقعهم؟، ما هو مفهومهم للعنف؟، لماذا يتأثرون بتلك الصورة الدموية؟، وغيرها من أسئلة دارت فى العقل، ومن ثم حاولت الاقتراب بالسطور التالية لعلى أصادف صواباً فى التشريح دون الإهانة أو التجريح لهؤلاء ومن مثلهم من محبى هذا الشخص الذى يدعى محمد رمضان «أسير أسطورته» التى لا يغادرها ولن يغادرها، فأحمد زكى جاء للحياة مرة واحدة. جملة اعتراضية: قد يكون من يتم تأجيرهم فى الرقص فى الاحتفالات والسب أمام النقابات من بين هؤلاء.
(1)
هذا الجمهور ليس إلا شخصاً يكفر بذاته، يشعر بالمهانة ويرى نفسه بلا اعتبار أو تقدير فى ذلك المجتمع الذى لا يعترف سوى بذوى النفوذ والسلطة.
(2)
هو الذى ينشغل بعضلات محمد رمضان، ويختزل فيها مفهوم القوة والكفاءة ليواجه واقعه، لأنه يعيش بيقين أن القوة مفتاح الاحترام والتقدير، وصالات الجيم فى المناطق الشعبية أبلغ تعبير.
(3)
هؤلاء هم الذين جمدوا الأمور وانعدم إحساسهم بالواقع، ومن ثم يجترون مآسيهم فى أغانيهم وقصصهم ومناسباتهم الاجتماعية، فمحمد رمضان هو «أولاد سليم اللبانين» و«أوكا وأورتيجا»، والأمر هنا لا يعبر عن شريحة اجتماعية أو طبقة بل يعبر عن قطاع عريض فى التفكير.
(4)
هؤلاء هم الذين يحتالون على دنياهم حتى يستطيعوا مجابهتها، يكرهون القهر وفى نفس الوقت يخضعون باستكانة الانحطاط متسلحين بأطنان من المبررات، يبحثون عن العدل وعندما تأتيهم الفرصة يمارسون أقسى أنواع الظلم، يدركون ضعفهم فى حين يدفعون الإهانة والقسوة إلى الآخر الذى زالت عنه القوة.
(5)
هؤلاء هم الكسالى الذين لا يرون قيمة لعملهم ويكتفون ببذل الجهد الأدنى، هؤلاء هم الذين يبددون حياتهم بين قليل من العمل والكثير من البطالة، ويتفننون فى تضييع فرص العمل والكسب.
(6)
هؤلاء الذين يرون أن الخير قد يصبح شراً ليوم واحد ليسودوا ويرتقوا فى مجتمعهم، فلكى تصبح مثل «رمضان» تسبح فى فيلتك الخاصة وبجانبك سيدة جميلة عليك أن تدوس الكثير فى طريقك، فليس محرماً أن تصبح شريراً لبعض الوقت وبعدها تعود إلى سيرتك الأولى- هكذا يعتقدون.
(7)
هؤلاء الذين يخربون فى الممتلكات العامة ويتجنبون الحفاظ على المرافق والخدمات، وهم أنفسهم من يلقون بقمامتهم أمام منازلهم.
(8)
هو الجمهور الذى يؤمن بالحظ كمحرك للفقر والغنى ولا يعترف بالجهد والكد والكدح فى الحياة، ويعتقد أن طريق الأموال لا يسلك إلا بالتقرب من ذوى الحظوة وبالتدنى والتذلل وإهدار الكرامة.
(9)
لا يتحرك هؤلاء بالأخلاق بل بالمنفعة والاستغلال وغيرهما من أساليب المداورة والمناورة للاستمرار، فالاحتيال والغش والخداع والفهلوة وتجاوز القانون واستباحة حقوق الآخرين سبيلهم فى الحياة.
(10)
تتراجع المصلحة العامة عند هؤلاء، فكل امرئ يتدبر أمره كما يرى.
(11)
هؤلاء عدوانيون متوترون دائماً، يعيشون بين ألسنتهم وأيديهم، فينتجون أسوأ ما فى الذات البشرية، الذى قد يصل إلى حد القتل فى مشاجرة عادية فى نهار يوم عادى.
(12)
هؤلاء الذين يؤلّهون الحاكم ويرفعونه إلى مصاف الأنقياء الأتقياء لمجرد أنه جلس على كرسى ليحكمهم، وهم فى نفس الوقت الذين يهربون من تسلطه عليهم بالنكتة والتشنيع، وهم أنفسهم من يلعنونه إذا سقط أو أزيح.
جمهور «محمد رمضان» مقهورون، محبطون، لا جدال- كما يقول «ماندل»- أن نزواتهم العدوانية ترجع إلى ذلك الجرح النرجسى الأصلى النابع من وضعية القصور والعجز والإحباط فى مواجهة أى سلطة بدءاً من الأبوين.