مرت 35 سنة على أحداث الزاوية الحمراء التى كانت مرحلة مفصلية فى تاريخ الفتنة الطائفية، بل -فى رأيى الشخصى- هى التى حفرت وشقّت طريق هذه الفتنة بامتياز، فهى ليست مجرد حريق محدود فى دار مسيحية، مثل حادث الخانكة فى السبعينات، لكنها مذبحة بكل معانى الكلمة، حرق وتدمير وتخريب، شرطة غائبة عن المكان لمدة 3 أيام تراقب من بعيد وتنتظر لحظة الانفجار، ذبح قسيس، عدد ضحايا ضخم أخفاه السادات فى خطابه، قائلاً إنهم تسعة مسيحيين، بينما الحقيقة أعلنها حسن أبوباشا فى ما بعد، فى حوار صحفى، كاشفاً الفاجعة الكبرى بأن الضحايا 81 قبطياً ما بين إحراق وطعن سكين وإطلاق رصاص، مدرسة الخداع نفسها، التى تثبت أننا لم نتعلم الدرس أبداً، خرج علينا الرئيس السادات مبرراً المذبحة مهوناً من شأنها مردداً نفس ما قاله وزير داخليته النبوى إسماعيل، قال إنها مجرد خناقة بسيطة سببها ميه وسخة نزلت من بلكونة المسيحى على غسيل المسلم!!، وكأن المفروض أن نُصدّق هذه الحكاية الوهمية التى لا يُصدّقها طفل فى الابتدائية، كل هذه الأحداث هى التى جعلتنى أقول إن تلك الفتنة هى صندوق باندورا الفواجع والفتن الطائفية فى ما بعد، كل هذه التفاصيل وغيرها ما زالت ماثلة فى ذاكرتى، لكنى أظن أنها قد تبخرت من ذاكرة الدولة، لم ينجح أحد فى مدرسة تلك الفتنة التى ما زالت تتكرر، لم يتخطَ امتحانها أى طالب أو سياسى، ما زلنا نقع فى نفس أخطاء المعالجة بنفس القصور والحماقة والبطء والتهاون فى كل مرة، إشارات بسيطة ستوضح لكم أننا لم نتعلم، ولا نريد أن نتعلم من أخطائنا وخطايانا، لا بد أن نضع فى الاعتبار أن السادات قد اغتيل بعد هذه الفتنة بنحو ثلاثة أشهر، هو قد اتخذ فقط الاحتياطات الأمنية واعتقل فى سبتمبر من يتوهم أنهم رؤوس الفتنة ووضع البابا قيد الإقامة الجبرية، لكنه لم يتخذ الاحتياطات الفكرية والثقافية، ولم ينتبه إلى أن الأولى بالنفى والاعتقال إنما هو الفكر الفاشى الكاره للآخر المحرّض على الفتنة فى الفضائيات ومن فوق المنابر. لم ينتبه السادات إلى أن الضباع الذين كانوا يسكبون البنزين ويحرقون المواطنين الأبرياء فى مساكنهم ومحلاتهم وصيدلياتهم طوال ثلاثة أيام، ويخربون بهراواتهم الغليظة ممتلكات الأقباط فى تلك المنطقة، إنما تحرّكهم نصوص محرضة ودعاة فاشيون وأمراء جماعات مجرمون، ضباع مغيّبة مزيّفة الوعى سقيمة الوجدان، ما زلنا حتى هذه اللحظة نمارس خديعة «الغسيل الوسخ هو السبب»، مارسناها كثيراً، أقربها عندما غرقنا فى قضية «هل تعرّت السيدة القبطية المسنة من أعلى أم من أسفل؟ وما المساحة التى تعرّت؟؟!!»، وتركنا التسلط والقهر والحرق والغل فى القرية، وكأن المشكلة هى فى مربع اللحم الذى ظهر وبان من الست الغلبانة!، رغم أن مذبحة الزاوية الحمراء قد بدأت بالمشكلة المزمنة وهى بناء الكنيسة، إلا أننا ما زلنا، حتى هذه اللحظة، نخضع لابتزاز السلفيين، خصوصاً فى قرى الصعيد عندما يهبّون هبة رجل واحد لإحراق عشة يصلى فيها بعض المسيحيين وكأنهم اكتشفوا وكراً للدعارة أو غرزة للمخدرات!!، ما زلنا نتعامى ونتغافل عن تطبيق القانون ونلجأ إلى قعدات العرب والجلسات العرفية والطبطبة و«قوم بوس إيد عمك».. إلى آخر هذا الهراء الذى ينفع فى خناقة على مشاريب القهوة، لا فى فتنة تأكل الأخضر واليابس، وتُهدّد أمن الوطن القومى كله، وللأسف كل ما خرجنا به بعد كل هذا العدد من الضحايا والخراب والدمار والحرائق أن السادات أصدر قانون أو مادة ازدراء الأديان الشهيرة التى -بعد مرور كل هذه السنوات- حبسنا بها إسلام بحيرى، بينما كل محرضى الفتنة من الوهابيين السلفيين يمرحون على شاشات الفضائيات ومنابر المساجد يُكرّرون التحريض السافر نفسه، لتتكرر الحرائق نفسها، وليموت أضعاف أضعاف ضحايا الزاوية الحمراء!! نقلا عن الوطن