حال إعلامنا المصرى لم يعد يخفى على أحد، بتنا نعير به، نعترف أحياناً، وأحايين أخرى كثيرة تأخذنا العزة بالإثم، فننكر خافين رؤوسنا برمال شفافة يراها الجميع ويرى رؤوسنا، إلا نحن.
كرد فعل عكسى، على سنوات قليلة ماضية، وعلى انحرافات إعلامية وصلت درجات معاداة ومحاربة أمن وباستقرار وسلامة الوطن، وتبنى المواضيع العجيبة وتصدير مسلسلات وبرامج للمشاهد المصرى تنهى على ما تبقى من روحه ومعنوياته!! وثقافته، ظهرت الآن موجات من دعاة التطور وإنقاذ الموقف، من كتّاب ومذيعين ومنظّرين، قامت كذلك برامج تدعو لتحسين الصورة وعُقدت مؤتمرات وتصريحات وصور كثيرة التقطت!! ثم ماذا؟ الجديد أنهم استضافوا قامات وأساتذة الإعلام أيام أن كان عندنا إعلام، الأسماء كبيرة وعظيمة وقديرة، لكنها انتهت! الزمن اختلف!! لغة العصر تغيرت، التحديات باتت مختلفة تماماً.
ليس بكل ما سبق ينصلح الحال، وليس بصورة فتيات يرتدين أزياء المضيفات ويتزين بالصبغات الجديدة!! يا سادة، يا أيها السادة، بالله عليكم، المحتوى! المضمون، الكوادر، إلى متى سوف ننكر أننا نفتقد الكوادر، وإلى متى يُدفن المتميز الموهوب، ويصل المتحذلق، المدعوم!! إلى متى نستمر فى إخراج جيل من إعلاميين مسطحى الفكر، مهمشى الرأى؟! لا يملكون أدوات تميز حقيقية. (إلا من رحم ربى).
الإعلام يا سادة يبدأ بالتعليم، بإعداد كوادر إعلامية قوية، لديها فكر، لديها ثقافة، تملك لغة وأدوات تعبير، وتتقن فنون النقد والحوار والإدارة، الإعلام هو فن إخراج الكلمة والصورة، كلمة «إعلام» تأتى من فعل اعلم، أو علم!!!
وبظروف كارثية كالتى نمر بها إعلامياً، لن ينتظرك أحد حتى تعد الكوادر، هذا إن استطعت الإعداد!! فى حالات الإسعاف عليك الاستعانة بكوادر جاهزة، ابحث عنها، نقّب، اعلن عن مسابقات، وارفع سقف شروط القبول، امنع الواسطة والمحسوبية، والعلاقات الخاصة والعامة!!!
فور عثورك على تلك الكوادر القوية، ابتعثها بدورات تدريبية سريعة بأماكن كفؤة وعلى يد مدربين أكفاء. ليحدث تدريب لا تلقين، تدريب عملى وتقنى ومهنى.
ادعُ لإنشاء قوانين وإجراءات إعلامية ضابطة، من حيث الشكل والملبس واللغة ولغة الجسد، تدخل بكل شىء حتى تجميل وأناقة المذيعين والمذيعات، اعطهم دورات فى الثقافة العامة.
أين الإعلام التثقيفى، والتنويرى والتعليمى؟! أين إعلام ترسيخ المبادئ والقيم والأخلاق؟! أين إعلام الاهتمام بالطفل؟! أين إعلام تثقيف الفلاح والعامل؟! أين برامج محاربة المخدرات والجريمة والعنف؟! (المحتوى يا سادة).
أما موجة نحن إعلام ينشر الإيجابيات، فهو جرم جديد، قولوا نحن إعلام واقعى جاد صادق، يرجو إصلاحاً، وخير البلاد والعباد، إعلام متميز قوى، جزل، أما نشر وانتشار صورة وردية وبأننا نعيش أبهى فترات التاريخ، فهذا تدليس يا سادة!! الصدق منج، والتصفيق إذا لم يكن على شىء يستحق التهليل أصبح كوميديا موقف!
العقل والتريث والأمانة، واختيار الأصلح والتنقيب والبحث عنه، وإن لم يكن يحيا على هذه الأرض فاستجلبوه من الخارج، ليتغير هذا الواقع المُهلك.
شاشات تلعن وتكذب وتهدم، وشاشات أخرى تذيع دردشات دون محتوى ودون فكر أو إضافة، مجرد تسلية، وتبلغ التسلية ذروتها ببرامج المسابقات العقيمة، أفرغت من رسالتك الإنسانية وأنهيت مشاكلك المجتمعية كيف تفتح الأوقات للهزل والتسلية؟!!
المحرك الأساسى فى كل هذا هو الفهم والفكر العميق الخالى من الضغائن والأحقاد الفكرية والسياسية والثقافية، الوطن يحتاج شخصية إعلامية تكون بالأساس إنسانية، عبقرية قوية، يجمع ولا يفرق، يبنى ولا يهدم، يؤسس بحب وتفانٍ لمجد المؤسسة الإعلامية والدولة المصرية لا لأمجاد شخصية.
وقبل كل هذا وفروا المناخ المناسب، فقبل أن يطرح الإعلان الإيجابى فكرة محاربة التطرّف والإرهاب والدعوة إلى الوسطية والاعتدال والتعايش بين الديانات والمذاهب المختلفة، ليسمح الوطن أولاً بالنقاشات الفكرية، دون التهديد بالاعتقال والخنق والشنق.
إن أردت إعلاماً قوياً صادقاً على المدى البعيد، فعليك بتعليم جيد وثقافة متميزة ومجتمع معافى سليم، فالإعلام كما يؤثر على المجتمعات والحضارات فهو كذلك بها يتأثر.
نقلا عن الوطن