بقلم/هبه عبد العزيز
أهلا بكم مجددا قرائى الكرام, وقد عدنا هذا الأسبوع لنستكمل سويا الجزء السادس والأخير من سلسلة مقالات (أمننا القومى والإختراق الإسرائيلى لإفريقيا), حيث مررنا فيما سبق بالتاريخ الصهيونى للتخطيط لكيفية إختراق القارة وتحديدا إثيوبيا, من أجل السيطرة على منابع النيل فى الحبشة, وإعمال الضغط على الدولة المصرية, وتابعنا مجريات وتطورات الأمر وصولا إلى ما سمى بأزمة "سد النهضة" بين مصر وإثيوبيا, وكنا قد إنتهاينا فى مقالنا السابق إلى إبراز بعض من ملامح الدور المصرى فى التعامل مع تلك الازمة.
وبخصوص "إتفاق إعلان المبادىء لسد النهضة" والذى أشرنا الى أهمية قراءة بنوده قبل الخوض فى أى حديث حمسى , فهذا الاتفاق ضمن لمصر العديد من الحقوق كما أوضحنا سابقا, ولكن من الاهمية ضرورة الأخد فى الإعتبار أنه يجب أن تتوافر حسن النوايا عند جميع الأطراف, لضمان إحترام بنوده الإتفاق, وهو ما نراه غير موجود فى التاريخ القصير لبناء سد النهضة (وبخاصة قبل توقيع الاتفاق) ،أو أن تصبح أثيوبيا "كطرف" مجبر بشكل ما أو له مصلحة ما من تطبيق تلك البنود, وهو ما تسعى القيادة المصرية إليه حاليا، وما يبدو أن إثيوبيا قد راوغت وماطلت كثيرا ,إلا أن هذا الإتفاق الأخير أصبح مكسبا دبلوماسيا جديدا, يمكن مصر من الضغط دوليا فى حال القرار بتدويل القضية دوليا سواء باللجوء الى المحاكم أو التحكيم الدولى. ومن ناحية آخرى فهناك العديد من التصريحات الرسمية لرئيس الوزراء الإثيوبى "هيل ماريام ديسالين" وبعض كبار المسؤلين فى الدولة الاثيوبية, والتى لا تتسع المساحة هنا لإفرادها, إلا أن جميعها يؤكد فى مضمونه على: إلتزام الدولة الإثيوبية بعدم الإضرار بحقوق مصر من حصتها من مياه النيل إلتزاما تاما, كما وتؤكد أيضا على ضرورة التعاون المشترك......
وقد أوضح لى مشكورا الصديق العزيز والقامة العلمية المرموقة د/ أيمن سلامة "أستاذ القانون الدولى وعضو المجلس المصرى للشئون الخارجية" , ضرورة المساعى الدبلوماسية واللجوء للتحكيم الدولى فى حال فشل المفاوضات, بناء على إتفاقيات عام 1891, 1902,,1929, 1959, 1993,.....وغيرها من البروتوكولات، وأضاف مؤكدا أن لدينا أدلة ومستدات لإثبات حقنا وموقفنا, بما يتفق مع الأعراف والقوانين الدولية, مشيرا إلى أن هذا الإتفاق هو (إتفاق ملزم) تترتب عليه آثاره القانونية الدولية, كما ينطبق الأمر أيضا على التصريحات الرسمية الإيجابية للمسؤولين بإثيوبيا , وهو ما تستفيد منه الجهات التنفيدية. وفى هذا الصدد نرى نحن أن التحول السياسى بإنتهائنا من تنفيذ خارطة الطريق بمصر، سيقوى من موقفنا الدولى ، ويمكننا من عرض قضيتنا بشكل يفرض على الجميع إحترام حقوق شعبنا سواء فى المنظومة الإفريقية أو الدولية. وهنا سيتوجب علينا إعداد ملف قانونى, هندسى, فنى, شديد القوة لتقديمه للمجتمع الدولى.
ولعلنا نشيد أيضا بموقف مصر الأخلاقى من الإضطرابات الأخيرة بإثيوبيا , حيث صرحت الخارجية المصرية أن ما يحدث فى إثيوبيا هو شأن داخلى, وأن مصر تدعم الإستقرار والتنمية بإثيوبيا, فلم تستغل الأمر وتحاول تأجيجه كرد على الممطلات الإثيوبية فى ازالة ما يقلقنا من السد، وهذا يبرز مدى إلتزام وإحترام مصر للأعراف والقانونين الدولية.
وعلى جانب آخر فقد تقدمت مصر ببدائل تعديلات فنية لإدخلها على بناء السد لتقليل الآثار السلبية، كزيادة عدد الفتحات إلى 4 بدلا من 2، وهو محل دراسة الآن مع باقى الاطراف.
هناك أيضا حل بإستخدام الترويج الإعلامى للموقف المصرى. إضافة إلى إمكانية اللجوء لحلول دعم التعاون الإقتصادى بزيادة الإستثمارات الزراعية فى إثيوبيا والإستفادة من إنخفاض سعر الأراضى وتوافر المياه والتى سوف تزيد بعد بناء السد. كما يمكن كذلك الإستعانة بالوسطاء من الدول العظمى الصديقة مثل روسيا, أو إثارة القضية مع الدول العربية والخليجية معولين على إستثماراتها هناك, إضافة إلى إشكالية أنه فى حالة انهيار السد ستتسرب المياة خلال الشقوق المائية ﻷسفل الكعبة مما يهدد المقدسات الاسلامية.
وقد اقترح مثلا د/مصطفى الفقى تخصيص مصر لأحد الموانىء على البحر المتوسط لنقل بضائع إثيوبيا بإتفاقيات واضحة، مقابل المحافظة على حصة مصر من المياه. كما إقترح اللواء/سيف الليزل حلا آخر للإستفادة من المساقط المائية الطبيعية فى الكونغو, بإنشاء توربينات لتوليد الطاقة,لتنافس إثيوبيا فى بيع الكهرباء ومن ثم يفقد السد أهميته.
وعلى الرغم من أن القيادة الحالية تحاول تدبير الأمر الذى تبدى صعبا, محملة بنتائج التدابير الخاطئة فى الماضى, والتى كانت تصاغ بحسب أريحية كل مسئول, وليس بحسب المصالح العليا للبلاد! ولان نهر النيل هو شريان الحياة! فاحيانا ترودانى أفكارا خطيرة كتلك التى تروادكم بخصوص أزمة السد, إلا أنه مازال لدينا طاقة من أمل وعشم وصبر. فالنيل نيلنا به نفرح, ولأجله نرفض ونكافح ونحارب مخططات أعداء الوطن لمحاولة مساومتنا أو تركعينا, وسنحبط تلك المؤامرة الصهيونية الحقيرة, ولن نجعلها تسير كما توهموا, كما فعلنا من قبل فى 30 يونيو شعبا وقيادة. فما تمر به بلادنا الآن من صعاب, ما هو إلا مسحه غيام, وتبقى بعض من أمنيات للوطن,أن نمسح عن وجه مصر ما علق به من فساد.
ومجمل القول أن مصر تدير الأزمة بالشكل الذى يحافظ على حقوقها التاريخية فى مياه النيل، آخذه فى الحسبان أن المياه مسألة حياة أو موت.
نقلا عن جريدة الوفد