يوم كطعم الماء عذبا يصوغ من الأوجاع قراحا رغم الألم الصريح!..ساعات مباركة للإنسان يركض فيها نحو رأس النبع وسر الانعتاق.. يوم يفرح فيه كل من يشعر بأنه غريب الدار والتربة أو يعانى من حصار الروح فى الجسد المباح!.. إنه يوم مولد حبيبنا وتاج رؤوسنا ونبينا ورسولنا والحاضر أبدا في كل أيامنا.
ثمة حاجة لنفحات من الثقافة المحمدية ونحن نحتفل بذكرى يوم ميلاد الحبيب المصطفى ونتأمل الحدث الجليل والذكرى المباركة لمولد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
إنها ثقافة الإسلام كما هي رسالة السماء التي أنزلها الحق في علاه على خاتم الأنبياء وهي بوسطيتها حاضرة في الحياة اليومية لملايين وملايين المصريين الذين يحبون نبيهم "الصادق الأمين" ويستدعون مواقفه وأحاديثه في كثير من مواقف حياتهم اليومية.
والثقافة المحمدية مناوئة للوهن والتوهين وتشكل أيضا قوام "الذات المدخرة" التي نستدعيها دوما في أوقات التحديات القاسية والأيام الصعبة والساعات العصيبة وهي ثقافة تفكير لا تكفير بقدر ماتحض على الاجتهاد الإنساني وإعمار الكون وتحث العقل على أهمية فهم المتغيرات وتغيير الواقع نحو الأفضل وتشجع المبادرة والتجديد دون تفريط في الثوابت.
والمعجزة الحاضرة أبدا للحبيب المصطفى هي معجزة ثقافية بامتياز كما تتجلى في القرآن الكريم وهو "الكتاب" الذي أنزل من لدن الحق في عليائه على الرسول الكريم ويبدأ بكلمة "اقرأ" فيما كان تمام المعجزة وكمالها أن يكون النبي أميا لدحض أي تخرصات حتى يوم الدين.
كفانا شرفا أن يكون الكتاب الذي أنزل على نبينا هو من قال فيه رب العزة: " أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْك
الْكِتَاب يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَة وَذِكْرَى
لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ".
وكفى مصر مجدا أن يذكرها القرآن الكريم في عدة مواضع وأن يكرمها الحبيب المصطفى بقوله لأصحابه الكرام: "ستفتحون مصر إن شاء الله فأحسنوا إلى أهلها واستوصوا بقبطها خيرا فإن لهم ذمة ورحما وصهرا"، وهو القائل وما أروع قوله: "إذا فتح الله عليكم مصر من بعدي فاتخذوا منها جندا كثيفا فهم خير اجناد الأرض وهم في رباط إلى يوم القيامة".
وإذ حذرنا الحبيب المصطفى من يوم يوشك أن تداعى فيه الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها، فإنه ترك لنا ثقافة محمدية مضادة للوهن واهدار الامكانية بقدر ماتشكل هذه الثقافة جوهر القوة الشاملة .
كانت الثقافة المحمدية الصافية النقية والحاضرة في نفوس رجال صدقوا ماعاهدوا الله عليه هي القادرة على إلحاق الهزيمة بقوتين عظميين قامتا على ظلم وعدوان واستعباد للبشر فكان انتصارها في لحظة تاريخية وضيئة مضيئة انعتاقا للانسانية كلها وحرية لكل البشر واعلاء لكرامة الإنسان.