لست في حاجة لقراءة اسم داوود عبد السيد لتعرف أن هذا الفيلم من إخراجه.
تكنيكه واضح.. صورته مميزة.. كادراته رائعة.. رؤيته أروع، أهلته ليكون واحدا من أهم المخرجين المصريين في تاريخ السينما المصرية، إن لم يكن أهمهم علي الإطلاق.
داود عبد السيد واحد من هؤلاء الفرسان الذين يغامرون بأفلام مختلفة، تحاول الخروج على التقاليد السائدة للسينما المصرية. ويجمعهم شيء رئيسي واحد، وهو أن السينما بالنسبة لهم ليست وسيلة لأكل العيش فقط.
ثمانية افلام طويلة وثلاثة افلام تسجيلية هي رصيد داوود عبد السيد ، الذي يحتفل اليوم بعيد ميلاده الـــ68.
بدأ حياته العملية بالعمل كمساعد مخرج في بعض الأفلام، أهمها (الأرض) ليوسف شاهين، و(الرجل الذي فقد ظله) لكمال الشيخ، و(أوهام الحب) لممدوح شكري. ثم بعد ذلك توقف "عبد السيد" عن مزاولة هذا العمل، بسبب عدم قدرته علي العمل كمساعد مخرج مع فكر آخر و مخرج آخر.
ولهذا السبب، قرر أن يحمل الكاميرا وينطلق بها في شوارع القاهرة، يرصد الحزن والألم في عيون الناس، ويصنع أفلاماً تسجيلية اجتماعية عنهم، حيث قدم العديد من الأفلام التسجيلية، أهمها (وصية رجل حكيم في شؤون القرية والتعليم) عام 1976، و(العمل في الحقل) عام 1979، و(عن الناس والأنبياء والفنانين) عام 1980
وعلى مدى خمسة عشر عاماً، ظل "عبد السيد" يصنع بأفلامه حواراً من طرف واحد، حواراً مفرداته الصورة لا الكلمة، يصنع الحوار الصامت بالكاميرا، لكن "عبد السيد" لم يستطع الاستمرار في هذا الصمت، شعر بضياع جهده، حيث لا يصل إلى جمهوره الحقيقي. فكان قراره بأن يكتب ويخرج فيلماً روائياً، ليخرج من دائرة الأفلام التسجيلية المغلقة، ويلتقي بالطرف الآخر.. الجمهور.
داود عبد السيد السينما بالنسبة له ليست وسيلة لأكل العيش فقط، يقول: "... الترفيه جزء مهم لا ينكره أحد، والأهم هو كون السينما وسيلة تعبير، وهو ما لا نجده في السينما التقليدية. إن السينما من وجهة نظري شخصية.. وأعتقد بأن هذا هو ما يجمعني بمحمد خان وخيري بشارة وعلي بدرخان، مع اختلاف كبير جداً في الأساليب وفي الأفكار الفنية والسياسية وغيرها.. إننا مهتمون بالسينما كفن...."
"الأفكار غزيرة والمشاريع كثيرة، وأحياناً أخاف من غزارة الأفكار.. لا أريد ورائي ديوناً.. أشعر بأن كل سيناريو أكتبه دين وعلي أن أحوله إلى فيلم، أن أكمله وأجعله فيلماً.. والواحد لا يريد أن يظل يكتب الأفكار على الورق، بل يرغب في أن يكون هناك توازن بين السيناريو وصنعه.." هذه هي رؤية داوود عبد السيد وهي نفسها الرؤية التي ينقلها في الصورة، وفي أفلامه الرائعة "الصعاليك"، و"البحث عن سيد مرزوق" و"أرض الأحلام" و"الكيت كات" و"سارق الفرح" و"أرض الخوف" و"مواطن ومخبر وحرامى"، و"رسائل البحر" وفيلمه الجديد "قدرات غير عادية" المنتظر عرضه قريبا.