قالت إنتصار غريب الباحثة فى الحضارة المصرية ومنسق حركة ثوار الآثار أن حضارة مصر هى أولى و أعظم الحضارات التى لولاها ما كانت الدنيا حتى الآن ، حيث ارتكنت فى تأسيس أولى قواعدها على أركان أساسية جعلتها تستمر آلاف السنوات و حققت التقدم و الرخاء فى فترات طويلة من عمر التاريخ المصرى القديم.
وأضافت أن الحضارة المصرية القديمة كان لها الفضل فى استرجاع المصريين لأمجادهم إذا ما مروا بفترات اضمحلال بعد الدولة القديمة وبعد الدولة الوسطى و ظلت قوة الحضارة المصرية مستمرة حتى فى ظل الاحتلال اليونانى والرومانى ، و كان لها الفضل فى تقدم العالم كله بعد ذلك ، لأنها المصدر الأول للعلوم و الآداب و الفنون و التنظيم و الإدارة.
وتابعت: من أركان الحضارة المصرية الأرض و عبقرية المكان الذى عاش عليه سكان الأزمنة الأولى فى هذه البقعة من العالم ثم الإنسان القاطن على هذه الأرض,ففى عصور ما قبل الزراعة كان النيل مازال فى فترة التكوين عتياً فتياً لم يشكل له مجرى ، فعاش المصريون فى المناطق الجبلية العالية و اعتمدوا على الصيد و الالتقاط و جمع الثمار,حتى هدأ النهر و أصبح له مجرى فعاش المصريون على ضفتيه و عرفوا الزراعة المنظمة بالملاحظة و خبرة السنوات المتراكمة ، و شئياً فشئياً دفعتهم المصلحة المشتركة للتعاون فيما بينهم لشق الترع و القنوات و تمهيد الأرض و تنظيم الرى فوصلوا لفكرة التجمعات المنظمة من قرى ثم مدن ثم دولة متحدة لها مركزية و عاصمة و حكم موحد للمصريين كلهم.
وقالت الباحثة إنتصار غريب :اهتم الإنسان المصرى القديم بالسماء كما اهتم بالأرض فتعمق فيها وتوصل لعلم الفلك و حركات النجوم و بنى نظريات اعتمد عليها العلماء بعد ذلك فى تكملة ما بدأه المصرى القديم من علوم,وإنتخب المصرى القديم من بين ابناء هذه الأرض حكاماً تبنوا مشروع الحضارة عليها و أهتموا بالمواطن ، فكانت فكرة المواطنة هى الأساس فى ترسيخ الأحساس بالانتماء لهذه الأرض و الدفاع عن حدودها ، فأسس المصريون القدماء أول جيش منظم فى التاريخ خاض حروباً عدة للزود عن الوطن مثل ملحمة طرد الهكسوس الذين احتلوا الشمال المصرى كله لمدة زادت على المئة عام ، و معركة قادش بقيادة الملك رمسيس الثانى و حروب رمسيس الثالث ضد شعوب البحر هذا الخطر الذى داهم مصر لفترات طويلة.
وأوضحت أن المصريين أطلقوا على أرضهم اسم "كيمت" أى السمراء نسبة للون التربة المصرية، وإسم "تاوى" أي الأرضين نسبة للدلتا المنخفضة و الصعيد المرتفع ، وكانت "إِنبحج" أو القلعة البيضاء هى أول عاصمة لأول دولة موحدة فى التاريخ وبناها الملك نِعِرمر(مينى - مينا) فى الأسرة الأولى,وكانت لها قلعة ذات جدرات بيضاء اللون فسُميت بالقلعة البيضاء ثم تغير اسم لعاصمة إلى ( منف) فى الأسرة السادسة من الدولة القديمة نسبة إلى اسم هرم الملك ببى الأول و المسمى ب( مِن نِفر) أى الآثر الجميل
وأضافت :لعبت طبيعة الأرض دوراً رئيساً فى تشكيل طبيعة الإنسان صانع العلم و الفن و مخترع أساليب الحياة المتقدمة ، علمته الأرض التحدى و الصبر لانتظار موسم الحصاد و اختراع اساليب الحياة من أدوات زراعية و أدوات بيناء و اختراع الكتابة و ورق البردى و النسيج من الكتان و بالتمعن فى مفردات الطبيعية توصل هذا الإنسان إلى وجود الخالق لهذا الكون فعرف الديانة و توصل لفكرة الحساب فى العالم الأخر فاهتم بعمارة المعابد و المقابر بعبقرية لا مثيل لها فعرف النقر فى الحجر كى يضمن الأبدية لمقبرته و البناء بالحجر ليضمن الخلود لمعبده و هرمه و منشأته الدينية
وكان المصرى حريصاً على أن يترك للأجيال القادمة تسجيلا لهذه الأحداث التاريخية ، فمما علمته الأرض " الأهتمام بالتدوين و التأريخ " من خلال الكتابات على البردى أو التسجيل على جدران المعابد .
واهتم المصرى القديم بالعلم و التعليم ، فعرفوا المدارس التى كانت ملحقة بالمعابد و أطلقوا على المدرسة مسمى "بر-عنخ" أى بيت الحياة ، و كان للبنات حظ مثل الولاد فى التعليم ، الذى كان من مناهجه مادة التاريخ ، فعلى سبيل المثال كان من مصادر تعرفنا على جزء من قصة طرد الهكسوس هو درس تاريخ كتبه الطالب "بنتاورة" من عصر رمسيس الثانى الاحق لزمن الهكسوس حيث كانت المقررات تحتوى على تاريخ الأجداد لترسيخ الشعور بالأنتماء لدى التلاميذ و الشباب المصرى.