أكد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان وجود روابط تاريخية وأثرية وحضارية بين مصر واليونان، مشيرا إلى أن هناك عدة مجالات مفتوحة للتعاون بين البلدين فى حالة ربط الإسكندرية بخط ملاحة بحرية بجزيرة كريت والذي يعمل بها آلاف المصريين فى مجال الخدمات البحرية، ومن كريت هناك العديد من الخطوط البحرية لميناء بيريه ومنه لأثينا.
وأشار، فى تصريح له، إلى أن اليونان تتفوق فى منتجات تزيد على حدود استهلاكها ومنها زيت الزيتون والسمسم والموالح وينقصها منتجات مثل الجلود والأقمشة بصفة عامة من قطن وصوف وحرير وكتان وهى المتوفرة بمصر رائدة صناعة الغزل والنسيج.
وأوضح ريحان، الذى درس الآثار البيزنطية لمدة عامين بجامعة أثينا، أن موانئ اليونان وإيطاليا وفرنسا كانت طريقا بحريا لنقل المسيحيين من أوروبا لميناء الإسكندرية للرحلة المقدسة إلى القدس عبر سيناء ومن الإسكندرية عبر نهر النيل إلى حصن بابليون ومنها بريا إلى القلزم (السويس) ومنها عبر خليج السويس إلى ميناء طور سيناء القديم ومنه إلى دير طور سيناء والذي أطلق عليه دير سانت كاترين فى القرن التاسع الميلادي ومنه إلى القدس.
وأشار إلى أن الرحالة بوستوميان، وهو من أهالي ناريون بجنوب فرنسا، جاء إلى مصر عام 400م بعد أن عبر البحر المتوسط فى أربعين يوماً إلى الإسكندرية ثم توجه للقدس عن طريق سيناء، وكان معه عدة مرافقين ووصف لنا رحلته، كما جاء القديس أنطونين من إيطاليا إلى الجبل المقدس بمنطقة سانت كاترين حالياً وذكر أن عدداً هائلاً من النساك جاءوا لمقابلته ينشدون التراتيل.
وطالب ريحان بعقد اتفاقات ثقافية وسياحية لفتح الطريق للسياحة الدينية بين اليونان ومصر وإحياء طريق الرحلة المقدسة لمسيحيى أوروبا عبر سيناء، وقد تم كشف محطات هذا الطريق بالكامل بطول 575كم عبر شرق وغرب سيناء، مشيرا إلى أنه من أهم محطات الطريق دير أبو مينا (مارمينا) بمريوط غرب الإسكندرية وكان به عدة حجرات كانت تستخدم مكاتب خاصة للمقدّسيين المسيحيين مما يدل على كم القادمون من أوروبا إلى سيناء، وقد تم الكشف عن معالم هذا الدير المهم المسجل تراث عالمي ودير سانت كاترين المسجل كأثر من آثار مصر فى العصر البيزنطي الخاص بطائفة الروم الأرثوذكس عام 1993 والمسجل ضمن قائمة التراث العالمى (يونسكو) عام 2002.
وأكد أن العلاقات بين مصر واليونان علاقات تاريخية حيث انتقلت معالم الحضارة المصرية القديمة إلى كل أوروبا عبر علماء وفلاسفة اليونان ويعترف المؤرخ الإغريقي ساورينون فى كتابه "المعرفة المقدسة" بأن مصر حملت شعلة الفلسفة والتشريع لبلادهم، كما اعترف كبار فلاسفة اليونان وعلمائهم ممن حملوا شعلة حضارة الإغريق، وقادوا ثورتها الثقافية بأنهم عبروا البحر ليتلقوا الحكمة والمعرفة على أيدى قدماء المصريين واكتسبوا منهم أسرار العلوم وهم الذين عادوا لبلادهم ليطلق عليهم اسم الخالدين ومنهم الشاعر الإغريقي العظيم هوميروس الذى زار مصر عام750ق.م. والحكيم والفيلسوف والسياسي سولون الذى زار مصر 640 – 558ق.م.
وأشار إلى أن "سولون" هو أكبر علماء أثينا السبعة وأول من كون لها مجلسا تشريعيا والجد الرابع لأفلاطون وقد درس التشريع والفلسفة فى مصر، وقد كانت أساس إنشاء أول مجلس تشريعى باليونان وأول تشريع دستوري للحكم فى أوروبا، وكانت وثائق سولون ومؤلفاته الخاصة بمصر القديمة التي اهتم بجمعها سقراط وأفلاطون من أهم العوامل التى شجعت كثيراً من الكتاب والعلماء الإغريق على زيارة مصر ومحاولة الانتساب إلى جامعاتها ومعاهدها لتلقى الثقافة والمعرفة.
وذكر أن ملوك ورؤساء العالم كانوا وحتى الآن من المهتمين بزيارة دير سانت كاترين ومنهم من ملوك فرنسا شارل السادس ولويس الحادي عشر والرابع عشر والملكة إيزابيل ملكة أسبانيا والإمبراطور مكسيمليان الألمانى، وقياصرة روسيا ولا تزال هداياهم بالدير حتى الآن، مشيرا إلى أنه يعد أهم الأديرة على مستوى العالم والذي أخذ شهرته من موقعه الفريد فى البقعة الطاهرة التي تجسدت فيها روح التسامح والتلاقي بين الأديان ولقد بنى الإمبراطور جستنيان الدير فى القرن السادس الميلادي ليشمل الرهبان المقيمين بسيناء بمنطقة الجبل المقدس منذ القرن الرابع الميلادي عند البقعة المقدسة التي ناجى عندها نبى الله موسى ربه وتلقى فيها ألواح الشريعة وبنى المسلمون فى العصر الفاطمى جامعاً داخل الدير عام 500هـ 1106م فى عهد الخليفة الآمر بأحكام الله.