كشف الباحث الأثري أحمد عامر عن أن التجارة الداخلية في مصر القديمة لم تلعب دورا يذكر في اقتصاد الدولة، وكانت أشبه بما يجري من معاملات في أسواق مدن مصر في الوقت الحاضر، في حين أن التجارة الخارجية ازدهرت وتطورت بين مصر والدول المختلفة، مؤكدا أن الحضارة المصرية القديمة أثرت وتأثرت بحضارات الدول المختلفة عن طريق المعاملات التجارية الخارجية.
وقال عامر، في تصريح اليوم، الجمعة، إن النصوص القديمة لا تتحدث مطلقا عن التجار، وتدل الصور النادرة في إحدى مقابر سقارة ما كان يجري في إحدى أسواق الدولة القديمة، وهى تمثل سوقا على نحو ما كان يمكن أن تقوم في ضياع الشريف لخدمه ومزارعية، فيما لم تخلف الدولة المتوسطة بمحض الصدفة شيئا عن المعاملات التجارية.
وأضاف أن هناك عددا من الصور التي تجسد هذه المعاملات التجارية المحدودة في الدولة الحديثة، التي كانت تحدث كثيرا في الموانئ بالقرب من السفن الكبيرة التي كانت تجلب السلع من الخارج إلى مصر، مثال على ذلك مقبرة "خاع إم حت" الذي كان "القيم على شئون الغلال" في عهد "أمنوفيس الثالث"، وقد ظهر في إحدى مقابر طيبة تاجر مصري ينحني ويمسك بيداه ميزانا، وهو من الأدوات التي ظهرت في عهد الدولة الحديثة، وبهذا أصبح الميزان يستخدم للتأكد من وزن السلع.
وعن تطور وازدهار التجارة الخارجية بين مصر والدول المجاورة وتأثير ذلك في مصر القديمة، قال عامر إنه كان يوجد في بلاد النوبة "جزيرة اليفانتين" السوق التي كان النوبيون يتبادلون فيها منتجات بلادهم والسلع التي يحصلون عليها من القبائل الجنوبية مع المنتجات المصرية وكان يرسل منها إلى مصر جلود الفهود والقرود وخشب الأبنوس والعاج، أما في بلاد "بنت" الأرض المقدسة"، وتعتبر عند المصريين القدماء منذ أقدم الأزمنة الموطن الأصلي للبخور وغيره من الأشياء الثمينة، وهى البلاد الساحلية للبحر الأحمر في المنطقة الاستوائية، خاصةً ساحل بلاد الصومال.
وأضاف أن المصريين القدماء اتصلوا في وقت مبكر بـ"الأرض المقدسة" لأنها كانت تقع بها محاجر الحمامات، كما كان يخترقها الطريق إلى البحر الأحمر ثم إلى مناجم وبلاد البخور، وقد ذكرت فی النصوص الرحلات إلى "بلاد بنت" كما كان لأهل "بنت" دور بارز بين الأسري الذين تقودهم الآلهة إلى الملك "ساحورع"، ومن التصورات التي تخيلها الشعب المصري عن بلاد البخور النص الجدير بالملاحظة لقصة "الملاح الغريق" التي ترجع لعصر الدولة الوسطى.
وتابع أن المصريين حصلوا على ذخائر "بلاد بنت" وسائر النباتات الجميلة في "الأرض المقدسة" وأكوام من صمغ المر وأشجار المر الخضراء وخشب الأبنوس والعاج النقي والذهب الأحمر، ومن بلاد "عامو" الأخشاب ذات الرائحة الحلوة والبخور وأصباغ العيوم والقردة الكبيرة ذات الذيول الطويلة وكلاب الصيد وجلود الفهود والعبيد وأبنائهم.
وعن العلاقات التجارية الخارجية بين مصر وسوريا وفلسطين، أوضح عامر أنه مسجل علی المعبد الجنائزي للملك "ساحورع" أسطول مصري عائد من سوريا وقد أحضر معه جرارا فخارية طويلة مملؤة بالزيوت الثمينة ورجالاً ونساء أسيويين يدخلون مصر كرقيق، مشيرا إلى أن"صناع الأسلحة" المصريين كانوا يرحلون بمنتجاتهم إلى البلاد الأجنبية، كما نجد على كثير من لوحات الدولة الوسطى فتيات أسيويات بمثابة إيماء محظيات عند أسيادهن المصريين.
وأكد أن آثار وكتابات ذلك العهد الذي أصبحت فيه سوريا وفلسطين جزءا من مصر لبضعة قرون، ازدهرت التجارة وقويت ونشطت حركة المواصلات علي الحدود القديمة لمصر لدرجة أنها ساعدت علي نمو العمران بشكل واضح، وكانت المنتجات السورية التي ترد إلى مصر في الدولة الحديثة لا تكاد تَحصى من أوان فاخرة من الذهب والفضة وخشب الأرز والأحجار الثمينة والخيل وبعض العجائب كالدببة والفيلة.
وقال إنه من بين تلك المنتجات التی ترد لمصر السفن والمركبات والأسلحة "السيوف والرماح والجعاب" والعصي والآلات الموسيقية "الكنارة وأنواع مختلفة من المزامير" والأوعية من أنواع مختلفة وبصفة خاصة جرار الزيت والجعة والنبيذ، وأصناف مختلفة من الخبر والبخور والسمك والخيل والماشية والثيران وأشياء أخرى كثيرة، كما دخلت بعض الألفاظ السامية مثل لفظ الكاتب بالعربية "سبر"، فإنه بالعبرية "سفر".