ذكرى رحيل عميد الأدب العربى صاحب فكرة "مجانية التعليم " الدكتور طه حسين، الذى رحل عن عالمنا منذ 41 عاما، تدعو المصريين إلى استدعاء أفكاره التي تميزت بالمنهج العقلاني، رغم الصعوبات التي مر بها والتي يأتي في مقدمتها فقدانه للبصر وفقره، إلا أنه تمكن من التفوق والنبوغ فمن تلميذ كفيف بالكتاب والأزهر الشريف إلى دارس في جامعة السوربون الفرنسية، إلى أستاذ وعميد لكلية الآداب حتى توليه منصب وزير المعارف "حاليا التربية والتعليم".
بدأ "طه حسين" تأثيره فى الحياة التعليمية المصرية ونضاله من أجل استقلال التعليم الجامعي عام 1924 بصراع مع الحكومة وسعد باشا زغلول، وبدأ دوره فى مجانية التعليم أثناء تولى أحمد نجيب الهلالي وزارة المعارف، والذي اتخذ طه حسين ساعده الأيمن في الوزارة، وعملا معا على مجانية التعليم الأولي حتى صدقت عليه الحكومة في العام الدراسي 1943/ 1944، ومع صدور مرسوم ملكي في عام 1950 بتعيينه وزيرا للمعارف في حكومة الوفد التي شكلها مصطفى باشا النحاس، وأصر طه حسين على عدم قبول الوزارة إلا إذا استكمل قرار مجانية التعليم ليشمل مجانية التعليم الثانوي.
استمر طه حسين وزيرا للمعارف لعامين استطاع خلالهما رفع مستوى التعليم في مصر ليضاهي به التعليم في أرقى الدول، وخلال تلك الفترة عمل على وضع مقولته "التعليم كالماء والهواء" موضع التنفيذ، وبدأ في تنفيذ سياسة التعليم المجاني للتعليم الثانوي والتعليم الفني وبناء منظومة تعليمية صحية وقوية تنافس منظومات التعليم الأوروبية، وتعاقد مع معلمين من فرنسا وإنجلترا لتعليم الطلبة اللغتين الفرنسية والإنجليزية تعليما راقيا، وأقر للتلاميذ "تغذية" كاملة ويوما دراسيا كاملا.
دعوة الدكتور طه حسين باعتبار "التعليم كالماء والهواء" تؤكد أن التعليم عماد المجتمع، وأن محاربة الأمية واجب وطني، وتستدعي الدعوة الوقوف مع النفس وقفة تقييمية لحالة التعليم في مصر التي شهدت نهضة غير مسبوقة منذ سبعين عاما.
واليوم ورغم كل المحاولات المبذولة من قبل الدولة لإصلاح التعليم تستشري ظاهرة "الدروس الخصوصية" في المجتمع رغم إقرار كادر المعلمين الذي حسن من دخلهم بدرجة ملحوظة، ما أدى إلى تفشي اللامبالاة في المدارس من أطراف العملية التعليمية (الطالب والمدرس)، أدى ذلك إلى عدم انتظام الطلاب وانعدام القيمة الأدبية للمعلم لدى تلاميذه.
وإنقاذ التعليم يستلزم ضرورة عودة الدراسة في الفصل، وإنهاء الدروس الخصوصية وربط المناهج الدراسية بسوق العمل، والعمل على نشر التعليم التكنولوجي الفني، وربطه بالموارد الطبيعية في كل محافظة لتطويرها وغرس الرغبة في الاطلاع والنقاش في نفوس التلاميذ، ودفعهم إلى حب البحث وحرية الفكر، وتعويدهم القدرة على التعبير عن آرائهم ليشبوا شبابا واعيا بقضايا وطنه ودينه.