يوم الأربعاء الماضى لبّيت مع عدد كبير من الزملاء الإعلاميين دعوة كريمة من رئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب للقاء معه، ولأن وصولنا إلى مكان اللقاء تزامن مع نهاية اجتماع للحكومة فى المكان نفسه، فقد وجدنا أنفسنا وسط حشد كبير من الوزراء الذين فضلوا البقاء وشارك أغلبهم فى حوار طويل، بدأ بمداخلة مستفيضة من المهندس محلب، شرح فيها الظروف بالغة الصعوبة والحساسية التى تعمل حكومته تحت ظلالها الثقيلة، بل إنه اختصر الحالة برمتها بأننا نعيش أجواء «حرب» حقيقية قاسية جدا.
كان دورى فى الكلام متقدما على كل الزملاء، وقد استهللت مداخلتى بتأكيد اقتناعى بأننا فعلا نخوض الآن حربا ضارية، لطالما كتبت وقلت فى وصفها إنها حرب مزدوجة، نجابه نارها على جبهتين، أولاهما جبهة العنف والإرهاب والإجرام والتخريب، والثانية جبهة البناء ورفع ركام الخراب الشامل الذى تراكم على مدى عقود وسنين طويلة، انتهت بثورتين عارمتين فجرهما الشعب المصرى فى أقل من ثلاث سنوات، ورفع فيهما مطالب واضحة، خلاصتها أنه آن الأوان لكى ينتزع حقه الإنسانى أن يعيش فى وطن ناهض متقدم، ينعم فيه بالحرية والعدالة والكرامة والمساواة.
ثم بعد هذا الاستهلال قلت فورا إن تلك الحرب الرهيبة تستلزم أن نمسك جيدا بسلاح القانون وقوته الحاسمة المشروعة (خصوصا على الجبهة الأولى)، لكنها أيضا تحتاج بالقدر نفسه إلى أن تكون هذه القوة مشفوعة بأرقى درجات السياسة وأكثرها حنكة ويقظة، لئلا تصبح بنادقنا عمياء تصيب الخصم مرة وقد تصيب صدورنا نحن مرات. وأخذت من بين عناوين الأزمات التى أشار إليها رئيس الوزراء فى كلامه عنوانين اثنين، اعتبرتهما دليلا على فقر وأنيميا السياسة الذى نعانى منه هذه الأيام، وأراه يصنع ثغرة خطيرة فى اصطفافنا الوطنى الضرورى للنصر.
العنوان الأول هو ما يحدث فى الجامعات المصرية، حيث تحاول عصابة إخوان الشياطين تعويض فشلها الذريع فى الشارع، بإثارة العنف والبلطجة بين جموع شبابنا وطلابنا، وقلت إن هزيمة هذه المحاولة الإجرامية وسحقها وتقليل خسائرها مرهون بشروط عديدة، أهمها أن ننجح فى التمييز الصارم بين قطعان المخربين والأغلبية الساحقة من الطلاب، الذين لا بد أن نعطيهم كل الحق فى النشاط السلمى الراقى داخل أسوار الجامعة، سواء بالتعبير الحر عن الرأى السياسى مهما اشتط أو تطرف، وكذلك تشجيعهم وتوفير البيئة الملائمة لانخراطهم فى فاعليات ثقافية وفنية واسعة النطاق، فضلا عن تركهم يصنعون لأنفسهم التنظيم الذاتى النقابى الحر والمستقل من خلال لائحة ديمقراطية يصوغونها بأنفسهم من دون وصاية.. وقد اعتبرت ذلك كله يسهل المهمة الخطيرة التى يبدو حاليا أن الشرطة وحدها هى المنوط بها إنجازها، ألا وهى ردع شراذم البلطجية الإخوان وتوابعهم، والعمل على حصارهم وكبح اندفاعهم الإجرامى الطائش نحو التخريب.
وختمت كلامى فى هذا الموضوع بأن ما نحتاج إليه الآن أن لا نحشر الشرطة ونزج بها وحدها فى معركة معقدة من هذا النوع، بل علينا بسرعة أن نعمل بوعى وذكاء لحرمان تلك الشراذم المجرمة من أى مدد قد يأتيهم من جمهور الطلاب لو -لا قدر الله- فشلنا فى كسب ثقة (أو على الأقل تحييد) الكتلة النشطة والمسيسة من هذا الجمهور المهم.. هنا تدخل وزير التعليم العالى الدكتور السيد عبد الخالق، مقاطعا، وحاول طمأنتى بأنه على عكس ما يشاع، يتشاور ويتواصل فعلا مع ممثلين للطلاب من أجل أن يصوغوا هم مشروع اللائحة الطلابية الجديدة، وأضاف أنه شخصيا مقتنع ومؤمن جدا بضرورة أن تكون هذه اللائحة ديمقراطية حقا، وأن تكفل وتضمن أوسع وأقوى الحريات.
ومن الجامعة انتقلت إلى العنوان الثانى الذى مَرّ عليه المهندس محلب فى الكلمة التى افتتح بها اللقاء، وهو تلك الأزمة التى تفجرت مؤخرا فى أوساط الفلاحين المصريين، الذين هم ملح أرض هذا الوطن، وأكبر وأهم مخازن ثروته البشرية..
لكنى بسبب تآكل المساحة مضطر إلى التوقف الآن، وإرجاء سرد ما قلته وما دار من حوار فى هذا الموضوع فى أثناء اللقاء وبعده، إلى سطور الغد إن شاء الله.