بسبب الجهل والغباوة والأمية، فإن بعضهم أدمنوا اللعب علينا بوقاحة لعبة «الطيب والشرير» أو «الضحية والجانى» اللذين هما فى الواقع شخص واحد..
أما أشهر مَن استهدفنا بهذه اللعبة فهو عصابة إخوان الشياطين، غير أن دواعى الأمانة والاستقامة تقتضى الإقرار بأن هذه العصابة، رغم أنها الأقوى شرًّا والأطول عُمرًا فى النصب والتخريب، فإنها ليست وحدها التى تجهد وتجتهد فى لعبة لبس الأقنعة الكاذبة البائسة التى لا تخدع عيّلًا صغيرًا، وإنما ينافسها حاليًّا قطيع أرامل نظام الأستاذ حسنى مبارك وولده.. هؤلاء من فرط وثقل خليط الغفلة والسعار والطمع الذى يسبحون فيه تراهم هذه الأيام وقد مسَّهم الجنان الرسمى لدرجة الاقتناع أن بمقدورهم تزوير أو إجراء عملية غسل وتبييض ناجحة لتاريخهم الأسود القريب، ومن ثَمَّ خداعنا وإقناعنا بأنهم كانوا أخيارًا وأطهارًا وليسوا مجرد حرامية ونشالين، من أسوأ وأوسخ نوع.
والحق أننى لو كنت واثقًا أن واحدًا من العصابة أو القطيع المذكورين أعلاه يفقه أو يعرف شيئًا من المعارف عمومًا والإبداعات الإنسانية خصوصًا، لكنت اكتفيت الآن بإشارة عابرة ومن دون تفاصيل، إلى تلك الرواية الأشهر فى تاريخ الأدب العالمى (دكتور جيكل ومستر هايد) التى رسمت بحزق ومهارة لوحة درامية مرعبة تشرح كيف يتمزَّق الإنسان بين تناقضات الخير والشر الراقدين بين ضلوعه، وعندما يحاول أن يتذاكى ويعاند الطبيعة متوهمًا أن بمقدوره العيش بشخصيتين مزدوجتين ومتصادمتين إحداهما سرية تسعى وتنشط فى الظلام بالشر والقبح والتوحش، بينما الشخصية الثانية تواجه عيون الناس فى النور بسيماء الطبية والاحترام والعلم، فإن النتيجة هى أن الشرير يهزم العالم الطيب بل ويقتله.
فأما الملخص الُمخل لأحداث هذه الرواية ذائعة الصيت التى كتبها الروائى الإنجليزى روبرت لويس ستيفنسون، (1850 - 1894)، فهى تبدأ من واقعة ليلية حدثت فى أحد شوارع لندن المظلمة الكئيبة حين ظهر رجل أحدب قمىء الطلعة وهو يسير بخيلاء ملوحًا بعصاه ذات اليمين وذات اليسار، وبينما هو على هذه الحال يتصادف مرور فتاة صغيرة تركض فى الاتجاه العكسى فتصطدم به بقوة فيقع الاثنان أرضًا، لكن الرجل القمىء سرعان ما ينهض ويواصل مسيره، داعسًا بقسوة فوق جسد الفتاة النحيل من دون أن يعبأ أو يكترس بصراخها المرعوب، لكن هذا المشهد العجيب المخيف يستوقف بعض مَن تصادف وجودهم فى المنطقة فيتجمعون حوله ويقبضون عليه، هنا يخبرهم بأنه يُدعى المستر «هايد» وأنه مستعد لأن يدفع للفتاة أى مبلغ من المال يرضيها ويعوّضها عن الأذى الذى سببه لها، وفورًا يدس يده فى جيبه ويناول دفتر شيكات يلاحظ واحد من المتجمهرين أنه مزيَّن باسم شخص مرموق ومعروف هو الدكتور «جيكل»!!
هذا الموقف الغريب يصل إلى مسامع كاتب العدل المدعو «آترسون» ويثير اهتمامه وفضوله، خصوصًا عندما يتأكَّد أن الشيك الذى حرره مستر «هايد» هذا للفتاة ليس فيه ثمة تزوير أو تلاعب وإنما هو فعلًا من دفتر شيكات الدكتور «جيكل» وأن هذا الأخير وضع فى البنك تفويضًا للرجل قبيح الخلقة بأن يتصرَّف كيفما شاء فى أمواله.. من هنا يبدأ آترسون تحرياته لكشف غموض الأمر واستجلاء غرابة الحكاية، وفى النهاية وبعد جهد وتقصٍّ كبيرين يكتشف والقراء معه الحقيقة المرة التى خلاصتها أن العالم الجليل المشهور بين الناس بطيبته واحترامه أغراه اكتشافه الفلسفى أن الإنسان يعيش وفى داخله يتعايش كائنان أحدهما طيب والآخر شرير، ومن ثَمَّ راح يعمل على محاولة الفصل جسديًّا بينهما وعندما نجحت المحاولة بعدما توصَّل إلى مادة كيميائية مركبة يمكن للمرء إذا استعملها أن يصير طيبًا أو شريرًا عندما يشاء، ويقرر «جيكل» تطبيق التجربة على نفسه وتبهره اللعبة الخطرة وهو يتنقل بين شخصية مستر «هايد» الشرير القمىء وشخصيته الأخرى المشهور بها بين الناس، لكنه فى إحدى المرات عجز عن العودة إلى شخصية الدكتور الطيب وكان ذلك بينما كاتب العدل يقرع بابه بعنف قبل أن يضطر لاقتحام البيت.. فى هذه اللحظة يقرر العالم المرموق أن يضع حدًّا لحياته وينهى اللعبة كلها فيقتل «مستر هايد» الذى هو نفسه «دكتور جيكل».. صباح الخير.
<iframe src="http://tahrirnews.com/random.php" style="display:none"></iframe>