منذ سنوات طوال، شغفت بعالم الجاسوسية والمخابرات، من خلال القراءات ومشاهدة أفلام السينما، ثم شاء القدر أن أمرّ بتجربة فريدة فى هذا العالم، حوّلت شغفى من القراءة والمشاهدة إلى الدراسة والبحث.. أيامها كشفت أن التخابر علم، له عشرات الدراسات ومئات المؤلفات.. ثم سرعان ما وجدت أن دراسة علم التخابر وفنون الجاسوسية، لا بد أن تجذبك إلى كل العوالم الموازية لهذا العالم، مثل دراسة الحروب والاستراتيجيات والتآمرات والتنظيمات المعلوماتية، وحتى التنظيمات الإجرامية.. ثلاثون عامًا، هى أكثر من نصف عمرى، التهمها البحث، وهضمتها الدراسة، فى هذا العالم المثير، الشبيه بلعبة شطرنج مستمرة، رقعتها العالم كله، وزمنها إلى نهاية الكون.. وخلال تلك الفترة، توقّفت طويلًا بالدراسة والبحث والتحليل، عند الحرب العالمية الثانية، التى تعد من أقوى وأعظم فترات التخابر والمواجهات العبقرية، فى التاريخ المعروف كله.. أكثر ما شغلنى فى هذه الدراسة، التى لم تنتهِ بعد، هو: كيف خسر النازيون الحرب؟!
عصر النازية كان عصرًا عجيبًا، بلغ فيه التطوّر العلمى العسكرى النازى أوجًا، لم تبلغه دولة أخرى، فى ذلك الحين.. فالنازيون كانوا يمتلكون أقوى دبابات فى ساحة الحروب، وهم أول مَن اخترع الطائرة النفّاثة، والمدافع العملاقة، والرادار، وحتى غاز الأعصاب المعروف بالسارين، عديم الرائحة واللون، والقادر على إبادة مدن كاملة فى ثوانٍ.. النازيون هم أول مَن وضعوا تصميمات الطائرة الشبح، وهم أول مَن صنعوا الصواريخ، واستخدموها لضرب لندن.. بل إنهم كانوا يستعدون لإنتاج القنبلة الذرية، لولا أن سبقهم الأمريكيون إلى هذا.. الجيش النازى، الذى اشترك فى غزو روسيا وحدها، كان قوامه أربعة ملايين جندى.. فكيف ولماذا انهزموا؟!
سنوات طوال قضيتها فى البحث، قبل أن أصل إلى نتيجة واحدة.. النازيون انهزموا وانسحقوا لسببين أساسيين.. أولهما تعصبهم وتطرّفهم تجاه فكرهم، وتعنتهم فى كونهم على صواب لا يحتمل ذرة من الخطأ، وكل مَن عداهم على خطأ، لا يحتمل ذرة من الصواب.. والثانى هو أسلوبهم الوحشى، وقسوتهم البالغة، فى التعامل مع أعدائهم، وحتى مع خصومهم ومخالفيهم فى الرأى.. أدواف هتلر كان يؤمن بمبدأ السمع والطاعة، وأنه على جنرالاته ومعاونيه تنفيذ أوامره، أيًّا كانت، دون مناقشة أو تردد.. كان فكره النازى يصوّر له أن هذه هى الوسيلة المثلى للنصر، وزادت هذه القناعة لديه، مع الانتصارات التى حققها جيشه فى البداية، مما جعله يرفض التخلِّى عنها، حتى فى لحظات السقوط الأخيرة.. القوة إذن ليست الفيصل فى الحروب، والوحشية ليست حتمًا كذلك.. وعندما أمر هتلر جنوده بالقتال، حتى الرمق الأخير، كان بهذا يحقّق عجرفة فى داخله، ولكنه يخالف قواعد الحروب، التى وضعها صن تزو، منذ سبعة عشر قرنًا، لأن عدم الانسحاب فى اللحظة المناسبة، يعنى فناء الجيش، وانعدام فرصة الهجوم المضاد.. النازية انهزمت وسقطت وانسحقت وبيدت، لأنها قاسية، وحشية، متطرّفة، مغرورة، وليست إنسانية.. هل استوعبتم الدرس.. يا دعاشنة؟!
<iframe src="http://tahrirnews.com/random.php" style="display:none"></iframe>