كم كان حسب الله السادس عشر حكيما، كأنه يقرأ الزمن القادم فى فيلم «شارع الحب» بتلك العبارة الموحية «ماتبسطهاش أكتر من كده»، فى التوقيت الذى كان يدعو الله أن يُنعم عليه بوجبة غداء معتبرة، وجدناه يتلقى فوق رأسه حلة ملوخية أكثر اعتبارا من زينات صدقى.
إنها الجرعة المضبوطة التى كثيرا ما نُخطئ فى تقنينها فتفلت منا المقادير، هكذا قرأت الخبر الذى أشار إليه أمس الزميلان منصور كامل وباهى حسن فى «المصرى اليوم»، حيث تناولا تعليمات الرئيس السيسى التى وجهها نقلا عنه أمين عام مجلس الوزراء، مطالبا بتعميمها على جميع المسؤولين عند إلقاء الكلمات التى يتناولون فيها الرئيس، أن يكتفوا فقط باسمه دون أى مبالغات فى وصفه.
فى الآونة الأخيرة يشعرنى الإعلام بأننا عدنا إلى زمن التماهى، الذى يصل إلى حدود الخضوع المطلق للرئيس. كثير من الكلمات التى تُلقى فى المحافل الرسمية يتم فيها حشر اسم الرئيس، وتأكيد الولاء، فكان لا بد من تدخل السلطة السياسية لإيقاف تلك الحالة المرضية، إلا أننا فى نفس التوقيت نقرأ أن مجلس المعلومات ودعم القرار بمجلس الوزراء يؤكد أن قرابة 90% من المصريين راضون عن أداء السيسى، أرى الرقم الرسمى به مبالغة، كما أن الرضاء عن الرئيس يعنى بالضرورة رضاء عن الحكومة، فهم أصحاب مصلحة فى زيادة معدلات الرضا. تخيلوا لو أن رئاسة الوزراء قالت مثلا إن 60% فقط راضون عن أداء السيسى ولن أقول 40%، ألا يعنى ذلك أن تعديلا وزاريا وشيكا فى الطريق؟ هل نتصور أن ما يجرى فى الجامعات والاستعانة بـ«فالكون» من الممكن أن يجعل حجم الرضاء 90%؟
دعُونا نكتفى هذه المرة بنصف الكوب الملآن، وهو أن الرئيس طلب من الجميع الاقتصاد فى كلمات الإشادة، وهى غالبا ليست بريئة، حيث إن قسطا وافرا يحاول أن يصل بالرئيس إلى مرحلة التقديس، فعلوها مع كل الرؤساء بعد أن جربوها مع الملوك، ولكن لو عُدت بحياد سنكتشف أن المصريين كانوا مقتصدين فى نفاق ملوكهم بالقياس إلى رؤسائهم، لأن الملك لديه قناعة راسخة بأنه باق على العرش كالقدر، بينما الرئيس يريد أن يحيل الكرسى إلى قدر.
المنافقون عادة ينتظرون إشارة البدء، وتنتقل العدوى بسرعة تتجاوز مقياس «الفيمتو ثانية»، خُذ مثلا الأغانى الوطنية التى كانت تُغنَّى لعبد الناصر والسادات ومبارك، بدؤوا فى تغيير مدلول كلماتها لتوجيهها إلى السيسى، تذكروا هانى شاكر فى «بالأحضان»، كما أن محطة الأغانى التابعة للإذاعة الرسمية دائما ما تزيد الجرعة بوضع مقاطع من خُطب السيسى داخل أغانى ناصر والسادات... حالة النفاق التى تصورنا أنها نائمة أيقظوها.
هذه هى عاداتهم وتلك هى قناعاتهم، دائما ستجد أمامك تلك المعادلة «الرئيس والانسحاق»، كلنا نتذكر أن مبارك فى الاجتماعات الخاصة كثيرا ما كان يقول إنه لا يمكن أن يوافق على التوريث، البعض كان يعتبرها نوعا من الاختبار للولاء له ولابنه من بعده، فكانوا يقولون فى نفس اللحظة لماذا تحرمه؟ أليس مواطنا مصريا ومن حقه الترشح؟ العديد من المثقفين والفنانين كانوا يُسرفون فى مبايعة جمال رئيسا، صحيح لم يقلها مبارك الأب صراحة، ولكنهم كانوا يعلمون أنها عربون ضرورى لتأكيد المحبة.
السيسى أرسل التعليمات الصريحة، فهل سيلتزمون بها؟ إليكم هذه الواقعة عندما طلب عبد الناصر من المسؤول عن حفلات أضواء المدينة الإذاعية القدير جلال معوض أن لا يغنوا باسمه وأن لا يشيروا إليه، وأن الغناء فقط لمصر، والتزم الجميع فى تلك الحفلة، حتى لحظة صعود مداح الرسول محمد الكحلاوى، الذى كان يغنى «لجل النبى»، ولكنه أحالها إلى «لجل الرئيس»، وانفرط من بعدها العقد. اضبطوا الجرعة ولا تنسوا درس حسب الله السادس عشر!!
<iframe src="http://tahrirnews.com/random.php" style="display:none"></iframe>