«الملافظ سعد».. حكمة خالدة من الممكن أن نجعلها دستورا لحياتنا، إلا أن للدراما والفن معيارا آخر، مثلا «الطاعون» التى كتبها الفرنسى ألبير كامى فى نهاية الأربعينيات من القرن الماضى، الرواية حققت مبيعاتُها أرقاما بالملايين وصنعت اسم كامى، وكانت تتناول بفلسفة حتمية القدر ومصير الإنسان، ولا ننسى أيضا مسرحية «الذباب» لسارتر التى أراد من خلالها ترسيخ مبدئه فى الوجودية، وتوفيق الحكيم كتب «حمار الحكيم» و«مصير صرصار» ولم يُتهم أحد منهم بإثارة تقزز القراء.
لا أجد أبدا بأسا من عنوان «المواطن بُرص»، ماذا لو أطلق على فيلمه «المواطن أسد»؟ هل يتغير الموقف؟ لماذا هذه النظرة الطبقية؟ أليسوا جميعا من الكائنات الحية ولهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات؟
الفيلم كان هو الأخير فى كل شىء، احتل ذيل الإيرادات، وهو أيضا آخر الأفلام التى شاهدتُها واستحق الأمر بذل جهد حتى أعثر عليه لأن أغلب الحفلات يتم إلغاؤها فى اللحظات الأخيرة لعدم توفر الجمهور، قبل نحو أسبوع وجدت ضالتى فى حى المعادى ولم يكن فى الصالة سوى مشاهد آخر، بعد قليل أصبحنا أربعة بالتمام والكمال، كنت أعلم لماذا جئت، فهذا هو واجبى وتلك مسؤوليتى، أن أشاهد كل الأعمال الفنية حتى الكادر الأخير، إنها واحدة من مخاطر مهنة البحث عن المتاعب، ولكن هؤلاء الذين يتناثرون فى القاعة ما الذى دفعهم إلى «البرص»؟ فجأة تصاعد دخان السجائر وعرفت السبب، إنه الرغبة فى اختراق القانون، عندما توجد فى مكان منعزل وبلا أعين تراقبك تنشط تلك الرغبات الممنوعة، كان الدافع الأساسى هو ممارسة التدخين، ومنعتهم عن إكمال السيجارة فامتنعوا عن إكمال الفيلم.
البداية مع صوت منفّر يقدم تنويعة سوقية ومنفّرة لأغنية أم كلثوم «ودارت الأيام» تتحول إلى «وباظت الأيام»، ونعيش مع «البرص» الذى أدى دوره رامى غيط، الذى شاهدناه كأحد الشخصيات الدرامية فى فيلم «دكان شحاتة» لخالد يوسف، ونجح الفيلم وكانت مساحة الشخصية مقننة. من الواضح أن رامى أراد أن تمتد به الشخصية ويستثمرها، سبق أن فعلها محمد سعد بعد نجاح «اللمبى» فى فيلم «الناظر» لشريف عرفة، التقطها وصارت عنوانا له، بدأت فى عنفوانها ثم تراجعت وفى طريقها إلى التلاشى. ولكن «البرص» لا يحتمل تلك المساحة، فهو المقصود به الشخصية ضعيفة البنية، ولكنه يسعى للسيطرة على الجميع من خلال كرباج يطال كل من يتعارك معه، ولا ينسى الفيلم أن يتعرض للثورة، أقصد «25 يناير»، مستهزئا بها. ولا أدرى ما علاقة الثورة بالأحداث، وإذا كان لدى رامى غيط كمخرج رأى سلبى فى الثورة فلماذا لا يقدمه فى سياق آخر بدلا من مجرد مشاهد عابرة فى النهاية للنَّيل منها على اعتبار أنها كانت مجرد عملية سطو على المحلات التجارية؟
رامى ممثل له وجه واحد أراد ترسيخه بتلك الشخصية، ومن الممكن استثماره بقدر ضئيل فى أعمال أخرى. كان رامى طبيعيا ولافتا فى أفلامه التى تُقدم شخصية البرص كفلاش عابر، ولكن تجربة أن يتحول إلى بطل يحتل كل هذه المساحة أراها تعجّل بنهايته كنمط درامى «كاركتر»، أما رامى كمخرج فلقد كان مجرد منفذ للسيناريو. فى كل الأحوال هناك من هو أسوأ منه بين مخرجى أفلام العيد رغم أن بعضهم لم تكن تجربتهم الأولى، إذا كان رامى قد أفلت من المركز الأخير مخرجا فإنه احتله وبمفرده وعن جدارة بطلا لـ«البرص»!!
<iframe src="http://tahrirnews.com/random.php" style="display:none"></iframe>