ما رأيكم قبل أن نشرع فى الكتابة عن فيلم «وش سجون» أن نستعيد بعضا من مقاطع كتاب «الأقوال المتداولة فى أفلام المقاولة»، التى يرددها عادةً الفنانون وتنقلها وسائل الإعلام؟ مثلا: «أنا سعيد بدورى الذى أعتبره نقلة نوعية فى مشوارى الفنى، هذا هو الدور الذى طالما حلمت به، ثم فجأة وفى الصباح الباكر وجدت رنين الموبايل يوقظنى من نومى، نسيت أن أذكر لكم أننى قبلها كُنت قد صليت استخارة حتى أحدد دورى القادم، فأنا محتار بين أكثر من عمل فنى، ثم وجدت هاتفا فى السحَر، يوقظنى قائلا: شبيك لبيك حلمك بين إيديك».
خُذ هذه أيضا من نفس المرجع: «البطولة الجماعية؟ يا عينى ع البطولة الجماعية، إنها هدفى، سحقا للبطولة الفردية، قال بطولة فردية قال، أنا أحبها جماعية، ده حتى ثوابها من المؤكد أكبر».
كم مرة استمعت إلى تلك الكلمات على لسان أحد الفنانين، خصوصا الذين يقفون على الخط، قدم فى مرحلة ما قبل نجومية شباك التذاكر، وقدم ترضى بنصيبها المكتوب بعيدا عن صدارة المشهد.
كلمات عديدة فى الصحافة تناثرت من الأبطال الثلاثة لفيلم «وش سجون» باسم سمرة وأحمد وفيق وأحمد عزمى، تذكرنا بهذا الكتاب الأثير، ربما لم يقرؤوه، لكنه يقع فى إطار توارد الخواطر، كل منهم كان يحلم بمساحة أكبر على الشريط، ومساحة أكبر على الأفيش، وكل منهم لديه إحساس بأنه كان يستحق ما هو أكثر، والحقيقة ليست هم فقط، إنها شريعة الوسط الفنى فى مصر، حيث إن الكلام نوعان ووجهان، واحد للإعلام منمق ومزوق وعلى سنجة عشرة، وواحد يتبادلونه فى الكواليس، يتجاوز فى العادة حدود المسموح بالنشر. الأبطال الثلاثة يعلمون أن الفيلم مصنوع طبقا لمواصفات الفيلم التجارى، توقعوا أن تلك المعادلة مضمونة النجاح، ولهذا وحتى الآن هم غير مدركين أسباب الهزيمة الرقمية.
السيناريو سابق التجهيز الدرامى كما كتبه مصطفى السبكى، وأخرجه عبد العزيز حشاد، لا يمتلك طموحا خاصا، وليس لديه إضافة ما، لكنك تشعر وكأنك شاهدته من قبل بنماذج أفضل بكثير مما شاهدناه. الأبطال الثلاثة يجمعهم السجن فى قضايا، المفروض أنك كمتفرج تتعاطف معهم فى كل التفاصيل، لكن ما هى التفاصيل؟ كلها تدخل فى إطار التلفيق الدرامى.
لا أتصور أن حكايات الأبطال الثلاثة هى الدافع إلى إنتاج الفيلم، لكن الحياة فى العنبر، ومن يعتلى كرسى الزعيم، وهو الذى يخضع له الجميع، إنها المحرك للأحداث، وكيف أن السجن مملكة مترامية الأطراف، ترى فيها كل أوجه الحياة، وكما قال يوسف بك وهبى نقلا عن شكسبير: «وما الدنيا إلا مسرح كبير»، من الممكن أن تصبح الدنيا هذه المرة «سجن كبير»، هكذا تستمر الحياة فى الزنزانة مع اختلاف توازنات القوى، وتنتهى بمقتل الزعيم، وتنفيذ حكم الإعدام فى أحمد عزمى، ولا يتبقى سوى أحمد وفيق، الذى يكرر نفس كلمات باسم سمرة عندما اعتلى العرش، وكأنه القسَم الذى يردده أمام المساجين والجنود، وهو فى طريقه إلى كرسى الزعامة، حيث يصرخ قائلا إنه «من الجيزة اللذيذة».
لا بأس أن تجد أمامك فيلما تجاريا فى كل عناصره، لكن البأس كل البأس هو أن لا يحقق الفيلم أى تواصل مع الجمهور، حيث ابتعد تماما عن موجة الناس، رغم ما به من عنف ودموية، لكن من الواضح أن اللعبة الرديئة لم تنطلِ على الجمهور.
أتذكر السيد بدير، وهو واحد من أساطين الكتابة والإخراج والتمثيل، وكنا فى منتصف الثمانينيات بصدد موجة عارمة مما كان معروفا وقتها بـ«سينما المقاولات»، سألت السيد بدير عن تلك الظاهرة ولماذا تفشل هذه الأفلام رغم أنه من المفروض أنها مصنوعة طبقا لمواصفات الكتالوج التجارى، قال لى: «حتى التهريج له أصول».. نعم، صُناع فيلم «وش سجون» أخفقوا حتى فى التهريج!
<iframe src="http://tahrirnews.com/random.php" style="display:none"></iframe>