بين سائقى التاكسى تنظيم خفى.
قل إنه يتبع المخابرات.. يحملون رسائل يقطعون بها المدينة وينقلونها عبر ماكينات شفاهية بين ركاب من كل صنف ولون.
وقل أيضا إنهم إذاعات متنقلة لأصحاب مصالح يدفعون ثمن دعاياتهم التى تبدو من فرط تشابهها أحيانا «خطابا مكتملا فى اتساقه».
الخطاب المتسق يتناقل عبر أسرع وسيلة تعرفها شركات الدعاية (من الفم للفم).. ولأن خلف سائق التاكسى دائما قصة ترتبط بالأوضاع الاقتصادية (بطالة/ المعاش المبكر لعمال القطاع العام/ فقدان الأب/ ضياع الوظيفة) فإنهم جميعا يتميزون بالشجن والأسى، يتحدثون عن ماض جميل.
هذا الماضى الجميل يتمثل الآن فى عصر مبارك، رغم أنهم كانوا يتكلمون عن جمال ماض آخر فى سنواته، لكن مبارك أصبح «زمنهم الضائع»، خصوصا بعد غياب الجنرالات وانسحابهم من مركز القيادة، حيث كان الأمل كل الأمل فى أن يملأ الـ19 جنرالًا فى المجلس العسكرى الفراغ، ويمسكون فيه البلد بالحديد والنار.
ورغم أن أعضاء تنظيم التاكسى ضحايا متوقعين من كل حديد ونار، فإن فكرة الضبط والربط بمعناها العسكرى هى جوهر النظرة إلى فتنة الأنظمة المستبدة.
ومن دون وهم أنهم تنظيم فعلًا تستخدمه المخابرات أو مراكز القوى، فإن مهنة التاكسى عدوة الفوضى (غير المنظمة) الهاربة من قبضة (الدولة) حتى لو كانت حديدية ونارية، ومثل قطاعات تشبههم من المجتمع فإن الأمن بالنسبة لهم هو عودة «الكمين».
الكمين.. هو آخر موروث من موروثات هندسة القمع، يقطع الكمين أى شارع ويحوله إلى ممر صغير، تشعر فيه بالحصار، والمراقبة وتنتظر الكارثة مع إطلالة ضباط وعساكر يلخصون الأمن فى استعراض قوتهم.
إنها تربية وعقيدة..
وحتى فى السنة البائسة لحكم المرسى والإخوان، كان هناك ضابط برتبة رائد أوقف سيارة فى الليل ركابها كان مدير شركة وموظفة فى نفس الشركة، سأل عن الرخصة، وعندما اكتشف أنها منتهية الصلاحية أنزله ودفعه إلى «بوكس» الشرطة، بينما قاد هو السيارة بجنون إلى الطريق الصحراوى بين القاهرة والعين السخنة واغتصب الموظفة، ثم عاد إلى موقعه فى الكمين.
الضابط التقط لحظة الجنون، وأكمل استعراضه إلى مداه الوحشى، فالأمن غائب رغم حضوره، والشرطة عادت فقط لتحمى الرئاسة.
الجنون هنا لحظة التقاط الذبذبة الهاربة من سطوة الأجهزة القديمة، تلك التى تجعل «كل شىء مباحًا» فى جهاز كانت فلسفته: إدارة الجريمة وليس منعها، وقمع المجرمين والضحايا فى الوقت ذاته.
السلطة هنا من دون احتراف ولا خبرة، ولهذا فالشرطة يتيمة من دون ديكتاتور مستقر، هو مركز الكون، والضابط الذى خطف واغتصب، زميلٌ لضابط آخر يبحث عن مغتصب متجول فى تاكسى بنفس المنطقة: مصر الجديدة.
كلاهما المجنون والمتجول ضحايا/ ومجرمون من زمن «القمع» الجميل.
<iframe src="http://tahrirnews.com/random.php" style="display:none"></iframe>