
إنهم يسخرون من أنفسهم ومن أمجادهم، التى يغنون لها ويعتبرونها سر شرعيتهم.
يسخرون بتحويلها إلى ملهاة بعد أن كانت ملحمة.
كيف ستحكى لأطفالك عن انتصار عسكرى وقد اشترى أحد ببغاوات النفايات التليفزيونية مكانه المتقدم فى احتفالاته بعشرة ملايين جنيه؟
كيف ستروى حكايات بشر حاربوا من أجل شىء عزيز اسمه الكرامة وهو الذى يعتبرها مجرد دبورة جديدة مضافة إلى كتف الضابط الذى يوزّع عليه التعليمات يوميا؟
كيف أصبح احتفال أكتوبر أسير الصفقات التليفزيونية ليتقدمه رمز من رموز صفائح النفايات المتلفزة؟
لم يفهم أحد كيف تشترى قناة حق بث احتفال «وطنى..» يخص المجتمع بكل طوائفه وليس جمهور النفايات وحدها.
كيف يقدم حفلة الانتصار مَن يعتبر إرادة الشعب مجرد «مؤامرة» لأنها هزمت أولياء النعمة وفاتحى الأنفاق والكبارى من أجل صعوده المهنى وحضوره الذى يمثل واحدة من دلائل تكشف كيف يسيطر الانحطاط ويتمدد بقدميه التى تقتل رائحتهما.
وهو ليس انحطاطا لأنه لا يشبه أذواقنا ولكنه انحطاط فى أذواقهم.. هم السادة الذين يختارون ويقررون كيف يعبرون عن احتفالاتهم ويصممونها على أذواق لا يجافيها السأم ولا البروباجندا.
لكن حتى السأم والبروباجندا وصلا إلى منحدر خطر حين يقدمهما مروِّج خرافات أجهزة القهر البوليسى وبصحبته حاملة الأكاذيب الطائفية ليلة مذبحة ماسبيرو.. هى نفسها التى كادت تشعل حربا طائفية، وكان من المفروض أن تحاكَم كما يحاكَم زميلها على كونه رسول أجهزة أمنية أهانت الشعب وقتلته.. إهانات يروّج هو ومن أرسله إلى الشاشات أنها «الوطنية» وفى «حب الوطن».. كأن ما تبرأت منه شعوب أخرى استولى عليها الخبل والهوس والهستيريا وقدمت جرائمها على أنها صلاة لله فى الاعالى أو تمجيد للوطن الرابض فى القلوب.. كأننا نعيد إنتاج كل هذه البضاعة الرديئة بعد أن فسدت فى المخازن وأصبحت عارا بشريا كامل الأوصاف.
هل نسعد لأن هناك من اختار لاحتفال أكتوبر رمزين من رموز هذا العالم البغيض الذى يرفض الرحيل أو الاختباء فى صناديق نفاياته؟
صديقى ظل صامتا طوال الليلة كلها لأنه عرف مَن سيقدم الاحتفال به وزاد الحزن عندما أدرك أن الاختيار تم غالبا بسبب صفقة عشرة ملايين جنيه احتكرت بها قناة تليفزيونية الاحتفال.
هل من حق صديقى أن يحزن؟ أو يغضب كل هؤلاء الذين وجدوا اختيارات الاحتفال تعبيرا عن مسخرة أو مأساة ترسل بها جهة ما رسالة معناها «البلد بلدنا وحدنا.. وبلد من يبوس الأرض تحت نعالنا. ومن يروج أكاذيبنا. والنصر لنا وحدنا.. وحدنا نحتكره ونصادره لنعلو به ويكون شرعيتنا ولا يعلَى علينا أحد.. نحن أسياد البلد ومن نرضى عنه نضعه فوق رؤوسكم..».
وهى رسالة مخيفة وخائفة لأن الذى يبحث عن أحمد سعيد لن يجد سوى أحمد «تانى خالص..».
<iframe src="http://tahrirnews.com/random.php" style="display:none"></iframe>