
لمن غنى عبد الحليم «عاش اللى قال الكلمة بحكمة وفى الوقت المناسب»؟ الكل يعلم أن حليم غناها بكلمات محمد حمزة وتلحين بليغ حمدى لأنور السادات فور ساعات من انتصار أكتوبر.
عدد محدود جدًّا هم الذين يعرفون أن السادات هو الذى غير المقطع، كما أكد ذلك الراحل العزيز الإذاعى القدير وجدى الحكيم الذى كان شاهدًا على كواليس أغانى أكتوبر عندما أقام عدد كبير من أهل المغنى فى ماسبيرو. إذ حكى لى الأستاذ وجدى، وربما لغيرى أيضا، أن الأغنية كانت تذكر صراحة اسم السادات وكانت الكلمات فى البداية تكرر، بدلا من مقطع «عاش عاش عاش»، «السادات السادات السادات» ولكن السادات هو الذى طلب تغييرها، لأنه وجدها بحسه الأدبى أقوى، أو ربما لأنه لم يشأ اختزال الانتصار فى اسمه مباشرة، مثلما فعل حسنى مبارك الذى اختصر منذ توليه الحكم كل المعركة فى الضرية الجوية، وهو ما كان بفجاجة يردده وقتها الإعلام.
ليست هذه هى القضية التى أتناولها، ولكن حرب أكتوبر73 والتى لم يشارك فيها الرئيس عبد الفتاح السيسى، لأنه تخرج بعدها بأربعة أعوام فى الكلية الحربية، إلا أن هناك من يريد أن يتلاعب فى التاريخ ووضع فى «عاش اللى قال» مقاطع من خُطب السيسى لتتخلل هذه الأغنية فى محطة الأغانى التابعة لاتحاد الإذاعة والتليفزيون.. أتمنى أن لا تنتشر هذه «الافتكاسة» وتقفز من فوق سور محطة الأغانى إلى باقى المحطات على ترددات الميمنة والميسرة، على إعلامنا الرسمى المنافق بحكم جيناته، وألا يزيد من تلك الجرعات ويراعى فروق التوقيت.
قيادات الإعلام لم تتغير، فهم لا يزالون يعتقدون أن بقاءهم مرهون برضا الرئيس، وأنه لن يرضى إلا إذا زادوا هم من تكرار اسمه فى كل النشرات، أكثر من ذلك صاروا يتعمدون بكثرة وضع أجزاء من أحاديثه وعرضها عشرات المرات، ليس فقط فى القنوات السياسية، ولكن فى الغنائية أيضا.
كل ذلك لو افترضنا حسن نية، فهو منهج عقيم فى تسويق الرئيس أراه أقرب إلى المراهقة الإعلامية أو الدعائية فلم يعد الناس هم الناس ولا المشاعر هى المشاعر ولا نحن نعيش فى زمن عبد الناصر حبيب الملايين.. ما شيين فى طريقك ماشيين وغيرها وغيرها.
لا أنكر أننى واحد من الناس -لا أدرى إذا كنا أغلبية أم أصبحنا بحكم الزمن أقلية- لا أزال أحن إلى بعض هذه الأغنيات وأصدقها، لأنها كانت تعبر عن مرحلة التوحد مع الزعيم، كانت مصر تساوى فى الذاكرة الجماعية ناصر، بالتأكيد قبل أيام قليلة استمعتم إلى قسط وافر منها فى ذكرى رحيل جمال، وللعلم فالنسبة الكبرى من أغانى الثورة والسد والقناة وحرب 56 والإصلاح الزراعى والوحدة حفلت بالكثير من النفاق السياسى وماتت فور ولادتها، وما تبقى فى الذاكرة ونستمع إلى بعضه الآن هو الصادق منها فقط، ولا يتجاوز بالمناسبة نسبة واحد إلى عشرة.
هناك من يعتقد أنه من الممكن إعادة زمن عبد الناصر والغناء للسيسى بنفس الكيفية، ولكنه زمن آخر ولن يعود.
محدودو الموهبة فى العادة يتفوقون أكثر فى لعبة النفاق، فعلوها أيضا مع حسنى مبارك وبين الحين والآخر كانوا يأخذون أغنية من زمن عبد الناصر ويطعمونها بمبارك، كلماته وصوره قبل أن تصبح «اخترناه اخترناه» هى عنوانه الغنائى وتحولت إلى مادة لا تنضب من السخرية.
بينما عاشت «عاش اللى قال» لأن الناس كلها تعرف من الذى قال، بينما أهالينا فى ماسبيرو يبدو أنهم آخر من يعلم!
<iframe src="http://tahrirnews.com/random.php" style="display:none"></iframe>