
القاهرة تتجدَّد بشبابها.
والقاهرة هنا ليست محافظة القاهرة التى «تشيخ» الآن فى ظل الإهمال الشديد والغياب شبه الكامل من المسؤولين عن المحافظة، والسيد المحافظ الذى يفضِّل أن يظل فى مكتبه ولا ينزل إلا إذا كانت هناك أوامر!! وإنما أقصد «القاهرة الجديدة»، والتى تصدر عن وزارة الثقافة.
و«القاهرة» صدرت منذ خمسة عشر عاما برئاسة تحرير الكاتب الكبير صلاح عيسى، والذى استمر فى منصبه إلى الأسبوع الماضى لينتقل إلى رئاسة مجلس الإدارة، تاركًا رئاسة التحرير لجيل جديد قادم كان من المفترض أن يتسلّم الراية مبكرًا عن ذلك، لكن ها هو قد حدث أخيرًا.
كانت «القاهرة» فى إصدارها الأول منذ خمسة عشر عامًا مبشّرة لتعبر عن وضع الثقافة ودورها فى التغيير، فضلاً عن متابعة أحوال الثقافة والمثقفين والتواصل مع أجيال جديدة من المبدعين.
وكان يعتقد أنها ستختلف كثيرًا عن مطبوعات حكومية، لكن عوامل «التعرية» يبدو أنها منعتها من ذلك، واختير لها أن تكون لسان حال وزير الثقافة وقتها، فاروق حسنى، صاحب فكرة إصدارها، والذى وفّر لها إمكانيات كثيرة لم يتم استغلالها، وإن جرى استغلال بعض من تلك الإمكانات لصالح الوزير فقط فابتعد عنها الجميع، فلم يجدوا فيها شيئًا مختلفًا عن صحافة الحكومة التى كانت توالس وتنافق وتسبّح بحمد حكم مبارك ونظامه ليلاً ونهارًا، وتُروِّج لتوريث الحكم، وتحولت إلى لسان الحزب الوطنى الفاسد ورجال أعماله الجدد من أصدقاء مبارك الابن، حتى أصبح لهم نفوذ قوى على تلك الصحف، حتى وصل الأمر إلى تقديم رجل أعمال محتكر على أنه مفكّر، وتنشر له الدراسات فى أكبر وأهم صحيفة ملك الدولة، بل ملك الشعب.
وظلّت «القاهرة» الجريدة عصية على التغيير خلال السنوات السابقة، مثل كثير من مطبوعات وزارة الثقافة، والتى يجرى الإنفاق عليها من ميزانية الوزارة وأموال دافعى الضرائب.
ولم تفلح ثورتان فى التغيير فى «القاهرة» الصحيفة مثل القاهرة المحافظة، إلى أن جاء الدكتور جابر عصفور وزيرًا، وهو العالِم ببواطن الوزارة وموظفيها ومنتدبيها فاستطاع بعد معاناة أن يجرى تغييرات محافظة أيضًا -وليست ثورية- تضخّ دماء جديدة فى الوزارة وهيئاتها، وربما كان فى خلفيته انتفاضة المثقفين على وزارة الثقافة الإخوانية، والتى كانت هيئات الوزارة ومؤسساتها سائرة نحو الأخونة، وبموافقة بعض القيادات الذين يسيرون أنفسهم خلف أى سلطة، ويتحولون إلى وعاظ للسلطة، وكانت تلك الانتفاضة متسقة مع الحالة الشعبية ضد فاشية الإخوان، وأعادت دور المثقف فى التغيير «فى وقتها»!!
وكان من نصيب التغيير إسناد رئاسة تحرير جريدة «القاهرة» إلى الزميل الصحفى سيد محمود، والذى تأخّرت عنه كثيرًا، فهو متخصص ومميز فى الشأن الثقافى، ولديه من الكفاءة لإحداث تغيير كبير فى بنية الصحافة الثقافية، فضلا عن حضوره وتشابكه مع جميع الأحداث والشخصيات الثقافية والإبداعية، ليس على مستوى المجتمع الثقافى المصرى فقط، وإنما على مستوى المجتمع العربى الشامل.
وبالفعل جاء عدد «القاهرة» الذى صدر هذا الأسبوع برئاسة سيد محمود «العدد 746»، مبشرا بصحافة ثقافية مختلفة تستدعى القراء مرة أخرى وتثير الجدل وتنشط الوعى، وتقود التغيير فى الحالة الثقافية التى «شاخت» أيضا مع غيرها من شؤون الحياة العامة فى البلاد، والتى تحتاج إلى جراحات عاجلة ودقيقة.
وفى انتظار الكثير من سيد محمود فى «القاهرة» الجريدة الجديدة.
■ ■
■ ملاحظة:
وزير التربية والتعليم لا يبشِّر أبدًا فى ما يفعله فى الوزارة بتلك المرحلة من سيطرة العشوائية والجهل، ويبدو أنه وجد الحل فى كندا (!!)
وكل عيد أضحى وأنتم بخير..
<iframe src="http://tahrirnews.com/random.php" style="display:none"></iframe>