
منذ غادرت مراحل الصبا الأولى بكل نزقها وحمقها الطبيعيين، وأنا أكره وأنفر بشدة من استخدام تعبيرات العمالة والتخوين فى الجدل أو حتى الهجاء السياسى، ومع ذلك أعيانى البحث فى قاموس اللغة وفشلتُ تماما فى العثور على نَعْت، غير «الخيانة» يصلح لوصف أفعال هؤلاء المجرمين القتلة الذين هبطوا فى أوحال الفُحْش لدرجة التخفى فى عباءة الدين الحنيف واتخاذ اسمه الجليل ستارا يرتكبون خلفه أحطّ وأخطر الجرائم بحق الوطن وأهله وناسه.
وقبل أن تذهب بعيدا فى الظن عزيزى القارئ، فالخونة المستهدفون بهذه السطور هم تحديدا وحصرًا أولئك الذين اختاروا شبه جزيرة سيناء بالذات حقلا وساحة (ظنوها مفتوحة وعارية)، لممارسة أحطّ وأبشع أنواع الإرهاب والإجرام وأشدها خطرا وأذيّة، فهم (ومن يقف خلفهم ويحركهم ويمولهم) يدركون ويعرفون جيدا حقيقة أنها الجزء الناعم الرخو والأكثر حساسية فى منظومة أمننا القومى وسلامة ترابنا الوطنى.
لقد ظلت سيناء على مدى تاريخنا المكتوب كله (تقريبا) البوابة التى تأتى منها محاولات العدوان والغزو لبلادنا، غير أنها صارت من بعد كارثة اتفاقيات «كامب ديفيد» وما فرضته من قيود واشتراطات ثقيلة، بوابة مواربة أو «شبه مشرعة» أمام عدونا الوحيد، الكيان الصهيونى.
فإذا كنت تهتز وتجزع مثلى من التوسل بلفظ «الخيانة» فقل لى بالله، بماذا تصف حال مَن حاولوا ويحاولون حتى الساعة استباحة هذا الجزء العزيز من أرض بلادنا، وينشطون لفصمه وسلخه عن سلطة الدولة المصرية بقوانينها ومؤسساتها، والشروع العملى فى تأسيس بؤرة إجرامية أو «إمارة ظلامية» فوق التراب السيناوى تفيض بالمخاطر والكوارث، التى ليس أقلها منح العدو الذريعة والفرصة لكى يتمدد بأطماعه وعربداته فى حياضنا، ويفرغ مخزون حقده وغيظه من صحوة المصريين وخروجهم بالملايين فى ثورتين متتابعتين وأسطوريتين، أطاحت أولاهما برئيس (وولده) توّج فساده وإجرامه وديكتاتوريته بعار الاستقواء على شعبه بالعلاقات الأخوية الحميمة التى نسجها مع إسرائيل، حتى أضحت هذه الأخيرة كفيله الوحيد وشفيعه الدائم عند أسياده الأمريكان!!
أما الثانية فقد انفجرت بعنفوان رهيب لكى تزيل خطرا وجوديا داهمًا لم نرَ مثيلًا له فى كل مراحل تاريخنا الحديث.. ذلك الذى كانت تحمله تلك العصابة الإخوانية الفاشية التى نشلت الثورة الأولى، وجاهدت لكى ترثنا من مبارك وولده، وتتمكن من المجتمع والدولة وتجرجرهما إلى ظلام دامس وخراب شامل وطائفية مقيتة ومدمرة، مدعومة بالأسياد أنفسهم وأتباعهم وخدمهم المخلصين فى منطقتنا وأمتنا.
ثم بحق الله لو استبعدنا «الخيانة»، ما اللفظ المناسب الذى تقترحه لوصف من أمعنوا فى الخسة والضِّعة والإجرام، لحد الإقدام على فاحشة قتل وجرح جنودنا وضباطنا الذين يدافعون عن سلامة ووحدة تراب الوطن، ويجاهدون بالروح والدم لتصفية تلك البؤر المجرمة العفنة، وفرض القانون واستعادة هيبة وسلطة دولتنا فى سيناء؟! هل نسميهم أو ننعتهم بأنهم كلاب سعرانة؟ طيب، إذا قلنا عنهم هذا الوصف، ألا تشعر بأننا سنكون مدينين باعتذار شديد إلى الكلاب حتى لو كانت سعرانة؟!
<iframe src="http://tahrirnews.com/random.php" style="display:none"></iframe>