أكد الباحث الآثري أحمد عامر أن المصريين القدماء قدروا التعليم بسبب التفوق الذي يناله الرجال المتعلمين علي غير المتعلمين في شئون الحياة، فكان التعليم هو الحد الفاصل بين الطبقة الحاكمة والمحكومة، مشيرا إلی أن منهج التعليم فی مصر القديمة كان يهدف إلي ثلاثة أغراض أساسية هي تعليم الكتاب وتقويم السلوك والتدريب المهني، ولم تكَن هذه الأغراض منفصلة بعضها عن البعض.
وقال عامر،فی تصريح لوكالة أنباء الشرق الأوسط:"إن من يتعلم ويصبح كاتبا فی مصر القديمة، كان يعفي من جميع الأعمال البدنية والمتاعب التي يتعرض لها غير المتعلمين.. فمهنة الكاتب بالنسبة لهم وظيفة هنيئة ليس فيها إرهاق جسدي، ومن أظهر نشاطا ولم يمهل كتبه وصل إلي أعلي المراتب فی الدولة".
وأضاف أن الكاتب كان يعفي من التجنيد ويعطي له الحق في ممارسة السلطة باعتباره موظفا رسميا له أهميته، وكان يتساوي في المناسبات الرسمية مع الكبراء، وتتضح امتيازات الكاتب بجلاء عند المعاملة الضريبية إذ كان يعفي من الضرائب الزراعية، بل إنه هو نفسه كان ممثل السلطة الرسمية في جبانة الضرائب وهو مطلق اليد في تحصيلها.
وأشار عامر إلی أنه تم تقسيم مراحل التعليم عند القدماء المصريين إلي ثلاث مراحل، فالمرحلة الأولي كانت مدتها من 4 إلى 5 سنوات كان ينبغي فيها أن يتعلم الصبي مبادئ القرأة والكتابة، فإذا انتهي من ذلك زودته المدرسة بلون من الثقافة وقسط من المعرفة، وكان يتم ذلك كله في طور الصبا وفي دار للتعليم يسمونها "قاعة الدرس" يتجهي فيها الصبي مفردات اللغة ويتمرن علي رسمها ونسخها، بالإضافة إلى تعلم بعض مبادئ اللغة وقواعدها.
وأوضح أن تلك المرحلة كان يعد فيها الصبي إعدادا يعينه علي سلوك سبيل الحياة، والتخصص في لون بعينه من ألوان التعليم أو تعمق مادة من مواد الدراسة إذا أتاحت له ظروف الحياة أن يستمر في هذه المرحلة، لافتا إلی أن تراث الدولة القديمة لم يوضح تكافؤ الفرص في التعليم، فلم تكن أبواب المدرسة مفتوحة أمام كافة أبناء الشعب وإنما كان مقصورا علي أبناء أمراء الأقاليم وكبار موظفي الدولة، لافتا إلى أنه في نهاية عصر الدولة القديمة تغير الحال في البلاد ولم يعد هناك من قيود الحياة الطبقية ما يعوق النشء عن زيارة المدرسة، فيما اتسع المجال أمام المتعلمين فی الدولة الحديثة في كسب العيش عن طريق تلك الوظيفة.
وأكد عامر أن المرحلة المتوسطة من التعليم تعتبر امتداد للمرحلة الأولي، حيث كان الغرض منها التوسع في التعليم عامةً أو الحظوة بلون من التخصص، ويبدو أن نظامها قد كان يتيح للتلاميذ أن يجمعوا بين ما ينبغي لهم من ألوان الدراسة النظرية وما يبتغون من الدراسة العملية، وكانت إدارات الحكومة ودواوينها المختلفة هي التي تتكفل بتنظيم الدراسة في هذه المرحلة، وكان التلاميذ في هذه المرحلة يجودون في الكتابة ويحسنون النسخ ويحظون بمزيد من المعرفة ويستطيعون في نفس الوقت أن يلموا ببعض أسرار الوظائف الحكومية ومقتضياتها، مشيرا إلی وثائق آثرية من عصر الرعامسة توضح صورة تلك المرحلة.
وبين أن المرحلة الثالثة من التعليم عند القدماء كانت مرحلة الاستزاداه من الدرس والتحصيل والتعمق والتوسع فيه، فهي تقابل في عصرنا الحالي مرحلة "الدراسات العليا"، وكان مقرها "دار الحياة"، وكانت من ملحقات دور العبادة، منوها بأنه كان لتلك الدار مقام كبير، حيث كان يلتقي فيها الأئمة من كتاب مصر وأكثرهم علما وأغناهم معرفة وأوسعهم ثقافة، وفيها تؤلف الكتب وتدون الرسائل وتنسخ النصوص، ويتم تصنيفها وترتيبها وتبويبها فمنها الديني والقانوني والطبي والسحري والفلكي.
وأكد عامر أن أكبر الظن أن المصريين القدماء قد عرفوا "دار الحياة" منذ أيام الدولة القديمة، وقد حملت اسم "بر عنخ"، وقد اشتهرت المعابد المصرية، ومنها "دار أون" في عين شمس، وقد ظلت هذه الدار كما ظلت مدرسة الطب في سايس تستقبلان الطلاب من الغرب.