هل كنا نعيش كل هذه السنوات فى وهم؟ هل قرارات المقاطعة الثقافية لكل ما ينتمى مباشرة أو بغير مباشرة إلى إسرائيل كانت قرارات عشوائية؟
طوال 35 عامًا وهناك إصرار من كل التجمعات الثقافية والفنية والأدبية لا يسمح لكل المثقفين والفنانين بأن يتورَّطوا فى اختراق قرار المقاطعة، التى لا أتصوّرها كانت مجرد قرارات عاطفية أسقطها الزمن إلى غير رجعة، ولا هى كانت مرتبطة بشخصية الراحل سعد الدين وهبة طوال رئاسته لمهرجان القاهرة السينمائى الدولى، لأن حسين فهمى عندما تولَّى رئاسة المهرجان عام 98 فى أول مؤتمر صحفى قال إنه لن يسمح لأى فيلم إسرائيلى أو حاصل على تمويل إسرائيلى بالاشتراك فى المهرجان.
أنت لو كنت صحفيًّا أو فنانًا أو أديبًا تنتمى إلى النقابة أو إلى اتحاد الكتاب لا تستطيع السفر إلى «رام الله» لمؤازرة الفلسطينيين هناك أو لحضور تظاهرة ثقافية أو للاشتراك فى حفل، لا تجرؤ لأنك ستحصل فى هذه الحالة على تصريح من إسرائيل، وهذا يعنى اعترافًا أدبيًّا بها، نعم بين مصر وإسرائيل اتفاقات مشتركة على الأصعدة السياسية والاقتصادية، ولكن الثقافة خط أحمر.
كلنا نعلم أن عددًا من الاختراقات قد حدثت سواء لفنانين أو صحفيين ولم يتم تفعيل قانون شطب العضوية، ولكن الحد الأدنى من العقاب هو أن ظلال الاتهامات تلاحق كل مَن أقدم على اختراق الصف.
العالم يتفهَّم ذلك، مثلًا مهرجان القاهرة السينمائى التابع للاتحاد الدولى للمنتجين أدرك أن لدينا قرارًا يمنع اشتراك إسرائيل بأى فيلم فى المهرجان حتى لو كان فى التمويل، ولم يمارس أى ضغوط فى هذا الاتجاه.
يرى البعض أنه قد مرّت قرابة أربعة عقود من الزمان تدفعنا إلى إعادة النظر؟ لا بأس من ذلك، خصوصًا أن لدينا فى المعادلة الصعبة «عرب فلسطين»، الذين تمسَّكوا بالبقاء داخل ما يعرف بالخط الأخضر ويحملون مضطرين الجنسية الإسرائيلية، ولكنهم عرب فى الانتماء والدماء، إلا أن الحل لا يمكن أن يُصبح فرديًّا، لا مهرجان ولا تظاهرة ولا دولة تملك منفردة إصدار مثل هذا القرار، لأننا سنكتشف فى هذه الحالة أن مهرجانًا عربيًّا عرض فيلمًا به دعم مالى من إسرائيل، بينما يرفضه مهرجان آخر لأنه يعدّه اختراقًا للإجماع.
هل كان الكاتب الكبير علِى سالم بعيد النظر عندما تحدَّى قرار المقاطعة الثقافية قبل أكثر من ربع قرن وذهب إلى تل أبيب بسيارته، كانت حجّته أنه يلتقى مع دعاة السلام ومع مَن يريدون عودة الحقوق المشروعة للفلسطينيين والعرب. فى ذلك التوقيت قاطعه أغلب المثقفين وعاش فى حالة برودة عاطفية، بينما هو لا يكف عن التأكيد أنه لا يضع يده سوى مع دعاة السلام.
البعض يرى أننا فى قفزة واحدة من الممكن أن نعرض أفلامًا لعرب فلسطين شارك فيها صندوق دعم السينما الإسرائيلى دون أن يثير الأمر دهشة أحد، أغلب هذه الأفلام تناصر العرب وحقوق الفلسطينيين، ويجب أن نضع فى المعادلة أن الصندوق التابع للدولة العبرية أسهم فى دعم هذه الأفكار، ألا يستتبع الأمر فى هذه الحالة أن نشير إلى ديمقراطية عدوّنا الاستراتيجى؟ علينا أن نمد الخط على آخره ونسأل: ما الموقف من عرض فيلم شارك فيه مخرجان فلسطينى وإسرائيلى معًا ولكنه يدافع عن القضية الفلسطينية ويفضح تعنُّت إسرائيل؟ نمد الخط لأبعد من ذلك ونسأل: ما الموقف من مخرج إسرائيلى يُقدّم فيلمًا ضد إسرائيل ويناصر العرب، هل نستضيفه ونحتفى به فى مهرجاناتنا؟ هل تترك مثل هذه الأمور للاجتهاد الشخصى ونكتشف بعدها أن الشيطان يكمن فى التفاصيل؟
الخطأ أننا انتقلنا إلى المربع رقم «2» الذى يسمح بالاجتهاد الشخصى والصحيح أن نعود إلى المربع رقم «1»، أن يسارع رؤساء الاتحادات الفنية والأدبية والصحفية العرب بتحديد الموقف، إما بفتح الباب بشروط محدّدة وإما بإغلاقه مجددًا، التحرُّك الفردى سندفع جميعًا ثمنه، والمنتصر الوحيد فى هذه المعركة هو إسرائيل!
<iframe src="http://tahrirnews.com/random.php" style="display:none"></iframe>