فى مدينة بعيدة عن القاهرة، يبدو الأمر عاديًّا لأول وهلة. امرأة تقود سيارتها بصحبة طفليها «سبع وخمس سنوات»، تتوقَّف قبل كمين شرطة فتُفاجأ بعد وقوفها بميكروباص يصدم سيارتها بقوة من الخلف. نزلت لترى ما حدث، ولتفهم إن كان السائق بلا فرامل، أم أنه لم يرَ الكمين، ففوجئت بسائق يقول الشهود إنه لم يكن فى حالة طبيعية، ينهال عليها سبًّا ثم صفعًا أمام طفليها.
حاولت السيدة الاستنجاد بأفراد كمين الشرطة الموجودين، إلا أنهم كانوا مشغولين أكثر بعدم تعطُّل المرور، وأنه حصل خير، واتفضّلى، إلا أنها رفضت أن تتحرَّك من مكانها مصدومة من الموقف كله ومن قلة نخوة أفراد الكمين، وهو الأمر الذى انكشف سرّه فى ما بعد. أصرت أن لا تنصرف قبل أن تثبت الحالة، فهددتها قوة الكمين بتحرير محضر تعطيل الطريق العام.
فى نفس اللحظة ظهر شخص يعرف السيدة، وحاول أن ينقذها، واشتبك مع هذا السائق، وأمام الإصرار اضطرت قوة الكمين لسحب الرُّخص، لم تكن هناك رخصة قيادة مع السائق، وبعد وصول الشرطة تم تحرير محضر تتهم فيه السيدة السائق بالسب والضرب بخلاف عدم امتلاكه رخصة قيادة وانتهاء رخصة السيارة، حاولت الشرطة أن تلم الموضوع سريعًا، وأنهت الإجراءات دون أن تطلب تقريرًا طبيًّا للمجنى عليها، وفى اقتضاب شديد سجَّلت أقوال السيدة.
لكن لأن الميكروباص ملك لأمين شرطة بمباحث تنفيذ الأحكام، وهو الأمر الذى اتضح أن المدينة كلها تعرفه تحوَّلت المجنى عليها إلى جانٍ. فى القسم تم توجيه سواق الميكروباص لتحرير محضر بأنه هو المعتدى عليه، وتم تحرير تقرير طبى سريع له، وبالمصادفة اكتشفوا من المحضر ومن اسم رخصة مالك السيارة زوج السيدة أنه فى منصب حساس، فتم تحرير محضر له يتهمه فيه السائق بأنه هدَّده بالقتل، بينما زوج السيدة فى مكان آخر!
طبعًا تم التوصل إلى اسم زوج السيدة ثلاثيًّا من خلال البحث عن ثغرات فى المحضر بالاطلاع عليه خلسة وخيانة للأمانة، مجاملة لصاحب الميكروباص، ساعد ذلك المتهم على أن يدّعى أنه صاحب حق، لكن يحسب للنيابة العامة أنها أدركت كل ما حدث، فالسيدة كانت تقاتل فى النيابة، لتثبت حقّها حتى اقتنع وكيل النيابة «بالضعف الشديد لتحريات المباحث وتحقيق الشرطة»، وتوصَّلوا بالتحقيقات وبكثرة مخالفات السائق إلى إصدار قرار بحبس السائق 4 أيام على ذمة التحقيق.
ميكروباص يمتلكه أمين شرطة، ويعمل عليه سائق، أغلب الظن أنه لم يكن فى وعيه، ولا أحد يعرف كم مرة سبق له التورُّط فى وقائع مماثلة، لكن أصحابها آثروا السلامة.
رجال المرور فى المدينة يعرفون أن زميلهم يمتلك الميكروباص، فيتخاذلون عن إنقاذ سيدة من براثن السائق الذى لا يحمل رخصة.
رجال المباحث يتركون الأمور مفتوحة، بحيث لا يتأذَّى أحد، لدرجة أن تحريات المباحث كانت نتيجتها بعد أن شهدت المدينة كلها الواقعة «حادثة سيارة ومناوشات بين الطرفين»، وهو ما رفضته النيابة.
لماذا يخاف ضابط مباحث من أمين شرطة، فيضطر إلى مجاملته على حساب النخوة والرجولة والحق؟!
والسؤال الأهم: من أين لأمين شرطة راتبه ألف جنيه أو أكثر قليلًا أن يمتلك ميكروباصًا سعره أكثر من مئة ألف جنيه؟!
<iframe src="http://tahrirnews.com/random.php" style="display:none"></iframe>