بريطانيا التى ما زالت تصف نفسها بـ«العظمى»، وكانت إمبراطورية استعمارية هى الأكبر فى التاريخ، ولم تكن الشمس تغرب عنها فعلا حتى مرغ الشعب المصرى رأسها فى الوحل والعار، ورسم باقتدار مشهد نهايتها وغروب شمسها، بعدما قاوم فى عام 1956 ببسالة العدوان الثلاثى الأحمق، ونجح فى صده، وبهدلة طرفيه الرئيسيين (بريطانيا وفرنسا ومعهما إسرائيل).
بريطانيا هذه تواجه الآن تحديا مصيريا يهدد وحدة ما تبقى لها من ممالك تقع فى قلب مركزها، إذ تتأهب نخبتها السياسية وتقف على أطراف أصابعها فى انتظار نتيجة الاستفتاء، الذى سيجرى يوم الخميس المقبل بين شعب أسكتلندا (أكثر من 5 ملايين نسمة) لمعرفة إجابته عن سؤال هل ينفصل إقليمهم الذى أدخل عنوة قبل 317 عاما ضمن أقاليم «المملكة المتحدة» الأربعة «إنجلترا، وويلز، وأيرلندا الشمالية، وأسكتلندا» أم يبقى فى حال الوحدة الراهنة مع بريطانيا.
حتى شهور قليلة خلت، كانت الطبقة السياسية فى تلك المملكة العتيدة مرتاحة، وتسبح فى عسل الأمنيات بأن أغلبية الشعب الأسكتلندى، الذى تحتل أراضيه ثلث مساحة الجزر البريطانية شمالا، سوف تصوت بـ«لا» للانفصال.. هكذا كانت تقول استطلاعات الرأى، غير أن الأسابيع الأخيرة شهدت تحولا دراماتيكيا خطيرا، فقد توالت المؤشرات والاستطلاعات التى كشفت عن ميل أغلبية واضحة (وإن لم تكن كبيرة) بين سكان الإقليم إلى التصويت بـ«نعم» للاستقلال عن بريطانيا.
هذه المؤشرات يبدو أنها أقلقت وهزت بعنف نخبة الحكم والسياسة فى المملكة البريطانية، وأيقظتها فجأة على واقع كابوسى يقول إنه ليس بعيدا، كما كانوا يظنون، احتمال انسلاخ وانفصال هذا الإقليم المركزى والأكثر ثقلا وأهمية من إقليم أيرلندا الشمالية، الذى عاد قبل سنوات إلى الوطن الأم «جمهورية أيرلندا» بعد عقود من الصدامات الطائفية الدامية «أغلبية الأيرلنديين ينتمون إلى المذهب الكاثوليكى، بينما البروتستانتية هى عقيدة الأغلبية الساحقة من الإنجليز».
مظاهر الهلع والقلق العظيم من نتائج الاستفتاء على استقلال أسكتلندا، تجلت على حادثة مثيرة ونادرة وقعت يوم الأربعاء الماضى، إذ هرول جمع من قادة الأحزاب البريطانية الرئيسية «يمينا ويسارا» يتقدمهم رئيس الحكومة المحافظ ديفيد كاميرون إلى العاصمة الأسكتلندية «جلاسجو» فى محاولة محمومة ويائسة لحث الجمهور الأسكتلندى على التصويت لصالح استمرار الوحدة وإغرائه بمزاياها مع التلويح بعواقب الانفصال، ومنها رفض بريطانيا السماح لأسكتلندا بمشاركتها التعامل بالجنيه الاسترلينى، لكن أليكس سالمون، رئيس وزراء الإقليم المتمتع بالحكم الذاتى، وهو رجل يعد من أقوى أنصار الاستقلال، علق ساخرا ومستخفا بزيارة القادة البريطانيين لجلاسجو قائلا: «إن هذه المحاولة المتأخرة سوف تساعد وتصب فى صالح الانفصاليين، لا العكس»، وأشار إلى أنها «تفضح وتكشف كيف أن نخبة وستمنستر (الحى اللندنى الذى تقع فيه مقرات الحكومة والبرلمان) تعانى من هلع مطلق فى وقت تهتز فيه أرض أسكتلندا تحت أقدامهم».
طيب، ما الخلاصة التى يريد العبد لله أن يقولها ويظهرها بوضوح أمام عيون القراء من رواية كل هذه الحكاية؟! كل ما أريد قوله: إن من يطلقون علينا شياطين التفتيت والتمزيق لأوطاننا، ويدعمون بتهور مخلوط بالشر والجهالة عصابات مجرمة تسعى بالطائفية والعنف الوحشى المنفلت من كل عقال لتشطير مجتمعاتنا وتحطيم وتخريب دولنا، هؤلاء ليسوا بمنأى عن الإصابة بالشرور نفسها، ولن يفلتوا من مسّ الشياطين، التى أطلقوها على خلق الله.
<iframe src="http://tahrirnews.com/random.php" style="display:none"></iframe>